كتاب " قضايا وتجليات في رسائل النور " ، تأليف د. مأمون فريز جرار ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا وتجليات في رسائل النور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

قضايا وتجليات في رسائل النور
العمل الإيجابي والتسامح مع الخصوم
ومن أمثلة العمل الإيجابي وتطبيقا لقاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) اتصاف الأستاذ النورسي6 بصفة التسامح مع أشد الناس عداء له وإساءة إليه، ومن ذلك أن الأستاذ ( لم يكن يدعو على من يحاكمونه رحمة بأهاليهم، وقد هم أن يدعو على مدع عام ظلمه كثيرا ولما وقعت عينه على طفلة صغيرة وعرف أنها ابنة ذلك المدعي العام كف عن الدعاء عليه. بل إنه سامح الحزب الذي ناصبه العداء، حزب الشعب الجمهوري، وذلك لأنه نظر إلى الوجه الآخر من القضية، حيث إن عداء ذلك الحزب أسهم من حيث لم يحتسب ذلك الحزب في نشر رسائل النور والتعريف بها لا على المستوى الشعبي بل على أعلى المستويات، حيث كانت تعرض على كبار المسؤولين، ومنهم من تأثر بها. يقول الأستاذ مبينا ما سبق من تسامحه داعيا طلاب النور أن يمضوا على منهجه: "على إخوتي في الآخرة أن يتجاوزوا عن الهجوم على أخطاء بعض المخطئين المساكين، وليعدّوها من قبيل أهون الشرين. وليقوموا بالعمل الإيجابي دائماً، لأن العمل السلبي ليس من وظيفتنا، ولأن العمل السلبي في الداخل لا يُغتفر "(.... )" لقد سامحت عن جميع حقوقي وعفوت عن حزب من الأحزاب السياسية رغم مقاساتي منه ألوفاً من المضايقات والسجون منذ ثلاثين سنة. فقد أصبحت جميع تلك المشقات والمضايقات وسيلةً لخلاص خمسة وتسعين بالمئة من المساكين في أن يسقطوا في مضايقات ومظالم واعتراضات" (17).
ومن مظاهر التسامح الذي اختطه الأستاذ النورسي6 الإعراض عن مهاجمة بعض العلماء الذين وقعوا تحت وطأة الضرورات الموهومة، فصاروا نماذج في الوقوع فيها، وكان منهم من يهاجم الأستاذ ورسائل النور، وهم في قرارة أنفسهم يعرفون الحق لكنهم قيدوا أنفسهم عن اتباعه بالضرورات الموهومة التي وقعوا فيها.
كان هذا الموقف من الأستاذ حين كان لديه في أخريات عمره ملايين من طلبة النور، ولم يكن ناشئا عن ضعف، لكن عن رغبة منه في استئناسهم، وإطفاء نار الأنانية في نفوسهم لعلهم يرون الحقيقة، ويثوبون إلى الحق الذي يفترض أنهم حملته ودعاته. وانظر إلى هذا الموقف المتسامح في قول الأستاذ :
" نحن نسامحهم حتى لو عاملونا بالظلم""(18).
ولا يعني هذا الموقف المتسامح من الأستاذ، ورفضه إيقاد الخصومة الحربية في داخل المجتمع أن الأستاذ النورسي6 يعطل الجهاد الحربي، فإذا كان يتخذ الجهاد المعنوي بالدعوة بالحسنى والتجمل بالصبر سبيلا للتعامل مع الداخل، في مقاومة أفكار الشر والفساد ونشر الخير، فإن رد العدوان الخارجي حين يتعرض المجتمع للغزو يكون باستعمال القوة المادية. يقول في بيان ذلك: " أجل، يستوجب مجابهة الهجمات الخارجية بالقوة، لان أموال العدو وذراريه يكون بمثابة غنيمة للمسليمن، أما في الداخل فالأمر ليس هكذا، ففي الداخل ينبغي الوقوف أمام التخريبات المعنوية بشكل إيجابي بناء، بالإخلاص التام. إن الجهاد في الخارج يختلف عما هو في الداخل(19)".
الضرورات الموهومة والعمل الإيجابي
العمل الإيجابي له جانبان: الأول: الإيمان والعمل والآخر: الدعوة إلى الله لإنقاذ إيمان الآخرين، ولن يستطيع أحد أن ينقذ الآخرين ما لم ينقذ نفسه، فمن عجز عن إصلاح نفسه فهو عن إصلاح غيره أعجز.
وقد نبه الأستاذ النورسي6 في درسه الأخير لطلابه إلى أمر يمنع الإنسان من الجهاد المعنوي، هو الوقوع تحت سطوة الضرورات الموهومة التي توقعه في المحرمات وتشغله عن حقيقة وجوده وعن حقيقة الدنيا وعن الآخرة. وهذا من مساوئ المدنية الحديثة التي" زيّدت الحاجات الضرورية من الأربعة إلى العشرين، فجعلت الحاجات غير الضرورية بمثابة الحاجات الضرورية بالإدمان والاعتياد والتقليد. فتجد من يفضل الدنيا على الآخرة رغم إيمانه بها لانهماكه بالأمور المعاشية والدنيوية ظناً منه أنها ضرورة"(20). وعند الوقوع تحت هذه الحاجات الموهومة يقع الإنسان في محاذير وممنوعات تحت دعوى "الضرورات تبيح المحظورات" وهي دعوى لا حقيقة لها ولا تقبل إلا مع الضرورات الحقيقية.
وقد ذكر الأستاذ النورسي6 حادثة وقعت معه حين أرسل إليه قائد عام بعض الضباط والعلماء ليعيدوه إلى الأمور الدنيوية بعد الصحوة التي أرته الحقائق، وجعلته يتحول إلى سعيد الجديد، وحين ناقشهم الأستاذ ادّعوا أنهم مضطرون لأنهم واقعون تحت ضرورات الحياة فكان رده عليهم:
"الأعمال النابعة من سوء الاختيار والميول غير المشروعة لا تكون عذراً لجعل الحرام حلالاً "(21).
ولو وقف الإنسان عند الضرورات الحقيقية لأعفى نفسه من كثير من المواقف التي تذله، وتشغله عن وظيفته الحقيقية، ولمضى في طريق الدعوة متخففا من أعباء الدنيا غير الضرورية.
الرضى بأي موقف إيجابي
ومن مظاهر العمل الإيجابي البناء الرضى بأي جهد يسهم في إنقاذ الإيمان من أي طرف، ولو كان قليلا، وقد تجلى هذا الأمر في الموقف من الحزب الديمقراطي الذي خفف القيود السابقة التي فرضها حزب الشعب الجمهوري على بعض الأنشطة الدينية، وسمح بطباعة رسائل النور، فأي خطوة نحو الحق وأهله خطوة إيجابية يرحب بها الأستاذ وطلبة النور. ولذلك صوت الأستاذ وطلبة النور للحزب الديمقراطي لما رأوا منه من خير كانت له بعض التجليات الإيجابية في المجتمع التركي(22).
العمل الإيجابي في مواجهة التخريب الثوري
كان المد الماركسي في أوجه في مرحلة كتابة رسائل النور، وقد انتشر الفكر الماركسي في الاتحاد السوفياتي وفي الصين وأخذ يمتد إلى بعض البلاد الإسلامية، وقد رأى الأستاذ النورسي6 أن رسائل النور تمثل سدا أمام تخريبات ذلك الفكر لا في البلاد الإسلامية وحدها بل في العالم كله، لأنها تحارب الكفر الذي يعني العدم للإنسان وللوجود كله، وقد أسهم ذلك الفكر في نشر الفوضى والقتل في المجتمعات التي انتشر فيها:
"إن إحدى المعجزات المعنوية للقرآن الحكيم أنه قد منح هذا الدرس لطلاب رسائل النور ليكونوا سداً أمام الكفر المطلق والإرهاب في هذا القرن. وحقاً أن الرسائل أدت دورها. نعم إن هذا الدرس القرآني هو الذي وقانا من هذا التيار الجارف الذي استولى على الصين ونصف أوروبا ودول البلقان وأقام سداً أمام هذا الهجوم.
وهكذا وُجد حل سليم أمام هذا الخطر الداهم" (23).
لذا نشكر الله عز وجل أن قد بدأ بالانتشار درس من دروس القرآن المعجز لينقذ هذا العصر باسم رسائل النور بين ملة الترك والعرب باللغة التركية والعربية. وقد تحقق أنها مثلما أنقذت قبل ست عشرة سنة إيمان ستمائة ألف شخص فإنها الآن قد تجاوز هذا العدد إلى الملايين من الناس. وكما أن رسائل النور أصبحت وسيلة لإنقاذ الإنسانية من الإرهاب - شيئاً
ما - أصبحت وسيلة للتآخي والوحدة بين الأخوين الجليلين للإسلام وهما العرب والترك، وكذلك أصبحت وسيلة لنشر الأحكام الأساسية للقران الكريم حتى بتصديق أعدائها"(24).