كتاب " مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المدينةُ...والإحساس بالمكانِ في شعرِ شاكر ألعاشور
في البدءِ يجبُ أنْ نقول أنَّ الأستاذ شاكر ألعاشور، شاعرٌ مرهفُ الحسِّ، قوي التعبير، رقيق المشاعر، شديد التأثر لما يحيط به من أحداثٍ وارهاصاتٍ تعتلي حياة الفرد والإنسان في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، ومع أيِّ شخصٍ، وفي أية واقعةٍ....
وهو - ألعاشور-، التراثي، والمحقق، والناقد. وقد أُشتهر بالشعر في جيل الشعر والكلمة في العام الماضي في العراق. واصدر الديوان خلف الديوان، والمجموع الشعري بعد المجموع، حتى استوفت أعماله الشعرية مجلداً كبيراً استحق الدراسة برسالةٍ جامعيةٍ مرموقةٍ في جامعة البصرة العريقة. وقد اطلعت على هذا الجهد الأكاديمي الطيب، فرأيتُ أنَّ الباحثَ أتى على أغلب شعر الشاعر ألعاشور من النواحي الموضوعية، وخصائصها الفنية يستحق الإعجاب والعرفان.
وأحببتُ في هذا المقالِ، أنْ أتكلَّم عن شيءٍ مهمٍ في شعر ألعاشور، وهو قد يكون فات الباحث الكريم أنْ يوسع من الحديث عنه، أو أنْ يجلبَ له العنوان المستقل، أو التفصيل الواجب. وهو معذورٌ في ذلك إذ قد لا تتسعُ هذه الأعمال لكلِّ الأشياء، كما أنَّ الوقت وتوجيهات المشرف قد لاتدع للطالب والباحث الحرية الكاملة في تقصي البسيط الصغير.
تترددُ المدينة كثيراً في شعر ألعاشور وبين أبياته - تلميحاً وتصريحاً-.بما يعيدُ له الذكريات الطيبة، والأحداث المهمة، أو يذكِّرهُ برحلةٍ، أو شخصٍ... وما إلى هنالك من أمورِ الحياةِ ومشاغلها، وأحزانها وأفراحها.
ومن هنا كان هذا المقال الذي سيختصُّ بالدراسة التحليلية فقط. وسيمرُّ على نماذج من شعر ألعاشور في هذا الجانب، إذ هو لا يستوعب كلَّ شيء...وفي فهمكم كفاية.
لقد جاءت البصرة، وبحرها، وتراثها، ومرفأها، وفنارها، في أغلب دواوين شعر ألعاشور الأولى، وفي قصائده المبكرة كما كُتبتْ تواريخ هذه القصائد في دواوينها في نهاية كلِّ قصيدة...ومن هنا فالبصرة، وبحرها، وروما نسيتها- من خلال البحر ومافيه-، وموروثها الثقافي والفكري والعلمي والديني الكبير، كلُّ هذه المسميات وغيرها كانت حاضرةً في ذهن وأبيات ألعاشور، وكما في التفصيل الآتي:
فهو:
_ يختارُ عنوانات قصائده ومجموعاته الشعرية من خلال هذه المدينة وما فيها من طبيعة وحضارة وتراث.
_ يميلُ إلى البحر وما فيه من دلالات حين ينظر إليه ويحاكيه، ويقصُّ علينا ما فيه من أهوالٍ، ودفءٍ، وبردٍ، وتأملٍ...
_ يتغزلُ بالعيون، والذوائب من خلال هذا التأمل والحنين الرومانسي لجسد المرأة وما يثيره من انعكاساتٍ روحية تتلائمُ مع ألعاشور وشعره وفلسفته الشخصية، وخلفيته المعرفية.
_ وهو غريبٌ من خلال هذه الثيمة الصابرة الصامدة. غريبٌ كغربة هذا البحر ومداهُ البعيد، الذي يبدو ألَّا نهاية لموجه المتدفق، وتياراته المسكينة التي تصل إلينا صوتاً وحركةً وألماً، لا أملاً أو تفاؤلاً.
غريبٌ كغربة السياب وأبنه غيلان الذي جاء عنواناً لقصيدةٍ من قصائد ألعاشور.
ومَن سوى البحر يحكي تلك المشاعر؟! ومَن غيره يحدثنا عن هذه الأزمة النفسية التي تكاد تفتكُ بالإنسان ومشاعره لتضعنا أمام هذا الإبداع، وهذه الصورة المعيشة التي لا تحتاجُ منا لتعليقٍ أو شرحٍ أو سردٍ.
- وهو - الشاعر-، صامدٌ بصمود هذا الفنار العجيب (!) وطولِهِ الكبيرِ الذي يطلُّ على الآخرين وينظرُ إليهم بعنفوانٍ وشموخٍ. ولعلَّ هذا الصمود وهذا الكبرياء أحتاج إليه الشاعر ألعاشور ليوافق أحداث مدينته التي صبرت، وطال صبرها. والى بيان أنه الكبير الذي لا يهتزّ، والأصيل الذي لا يشكو على الرغم من كل الظروف التي مرَّ بها، وعرفها محبوه وأترابه في نفسه، وبيته، ومدينته.
فهو يحسن استنطاق المكان، ويعرف دلالته وما جاء له. وهذا سرُّ خلود المكان في شعره، وشوقنا لمعرفة ما فيه وما يرمز إليه حين يُذكره، أو يصفه، أو يتغنى بأنه منه، وفيه، واليه....
ومن هنا كانت هذه الثيمة ظلّاً ملازماً للعاشور. بثَّها أحزانه، وحكتْ مشاعره على طريقٍ طويلٍ من الشعرِ والعيشِ والبكاءِ والأملِ.