أنت هنا

قراءة كتاب مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير

مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير

كتاب " مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 4

وليست البصرة - بصورها وظواهرها كلها-، هي الوحيدة التي جاءت في شعر ألعاشور. فالشطرة تبرز من خلال شخصٍ يعطيه الشاعر صورة الفلاح البسيط حتى من خلال اسمه(أرحيِّم)، ومن خلال ما قام به من فعلٍ يستحقُ الخلود والذكر والبقاء. وهذا مثيرٌ آخر من مثيرات المكان. كيف لا وهو لا يأتي إلا من خلال الحدث أو الشخوص. فلنستمع لهذا المقطع من قصيدة ألعاشور(أرحيِّم):

كان أرحيِّمْ

حين أراح على الحائطِ ظهرَهُ

يبكي:

لو أنَّ الريحَ بريدٌ يحملني

نحوَ الشطرةْ،

أتُراكِ تُعدّينَ طعامَ الأطفالِ الآنَ،

أمْ أنَّكِ تستلقينَ، الآنَ على صوتِكِ

في أُغنيةِ المحبوبِ الغائبِ؟

ولـ (سانتياغو) ذكرٌ أيضاً في شعر ألعاشور. وتبدو هذه القصيدة تميلُ إلى مكابدةٍ شخصيةٍ، وحدثٍ كبيرٍ عاشه ألعاشور في بدءِ حياتِهِ الأدبيةِ.فهو يختارُ لها عنواناً بين التكشف والحب. ويحكي ثورة صاحب (البار) الذي ينطلق من خلاله إلى المحبوبة التي يسبغُ عليها صفات الشجاعة، والدم والرصاص، وأرى أنَّ لوحات النص متناسقةً إلى حدٍ ما، وبروز المدينة في بدء الأشطر الشعرية، وبالتصريح بها وباسمها جلب اللوحات الأخرى، وجعلتها تتداعى، وتكبر، وتستدعي الأحداث والشخوص ليكونَ نصّاً متكاملاً في النظمِ والشعورِ والبناءِ.

فقد كانت المدينة في هذا النص بؤرة القصيدة، وعنوان وحدتها ومشاعرها. وهنا لا أستطيع أن أستشهد بالنص كلّهِ لطولِهِ. ولا أن أقتطع منه مقطعاً لحلاوتِهِ. فأتمنى أنْ يسأل القارئ عن شعر الشاعر ألعاشور، وأن يحتويه، ويعرفَ ما فيه من أسرارٍ ومسمياتٍ.

وأما (إستنبول)، تلك المدينة الإسلامية، الضاربة في التراثِ والحضارةِ والخلافةِ، فكان لها أثرٌ في نص ألعاشور الشعري من خلال (حلاّقٍ) بسيطٍ، ودكانٍ متواضعٍ فقيرٍ. إذ نرى ألعاشور يحكي لنا بصورةٍ عفويةٍ وبمشاعر رقيقةٍ ملموسةٍ حكايته مع هذه المدينة وحلاّقها كرابيت في القصيدة التي حملتْ اسمَهُ وحكتْ مهنتَهُ ومكانَهُ، ورمزتْ لمدينتِهِ. يقولُ الشاعر ألعاشور:

كلّ صباحٍ، أتشهَّى أنْ أرقبَهُ.

كان يحطُّ على كرسيٍّ في بابِ

الدكانِ، وينسى نفسَهْ.

يرسمُ وجهَ فتاةٍ بدخانِ سجارتِهِ،

أو يرسمُ أشجاراً عاريةً،

ويكلُّمُ نفسَهْ.

.........

.........

وتظهر لنا (إستنبول) مرة أخرى من خلال شارع مهم من شوارعها وهو شارعُ (بايزيد). وهو شارعٌ كبيرٌ في هذه المدينةِ الكبيرةِ. سُمّي بهذا الاسم نسبةً إلى جامع السلطان بايزيد الذي يقع في هذا الشارع. والعاشور يحكي لنا مغامرةً حلوةً من مغامراته الشخصية بسحرٍ لطيفٍ، وبلفظٍ مدلٍّ مقنعٍ، وبصورٍ قشيبةٍ، حدثتْ له في هذا الشارعِ وظلَّ يذكرُ تلكَ المغامرةَ بكلِّ ما فيها.

وتستدعي هذه المغامرة- شأن القصائد الأخرى-، الشخوص والحوار والحدث، وأماكن أُخرى، طبيعية وحضرية، إلى أن تنتهي القصيدة بنشوةِ العاشقِ، وفرحِ المغامرِ، وطربِ الشاعرِ المتمكنِ.

وأمّا بيروت، فوردت في شعر ألعاشور في قصيدته(بلادي وعينان صادقتان)، إذ برزتْ هذه الثيمة المكانية من خلال ساحةٍ مهمةٍ فيها وهي (ساحة الشهداء)، وفي اسمها ما يكفي للتعبير عن قدسيتِها ومكانتِها وشموخِها.

وعلى الرغم من غلاف الحزن المأساوي الذي غلّف قصيدة ألعاشور هذه، وكل ذاك البكاء والتعب المر الذي جاء في قصيدة ألعاشور إلا إن ألعاشور أحسن استنطاق المكان، واتى به في أول النص لينهالَ علينا بكل هاتيك المشاعر والأحزان، وهي مشاعر حقيقيةٌ ومعيشةٌ، وصادقةٌ ومعبرةٌ....

فالعاشور شاعرٌ مبدعٌ، وفي شعره ما يستحقُ القراءة، والتغني، والانشاد، والخلود. وفي قصائدِهِ تعبُ الشاعرِ العراقي الحقيقي الذي عاش في تلك الحقب بكلِّ ما فيها. فهو من شعرِهِ، الإنسانُ، والحبيبُ، والثائرُ، والأبُ، والأخُ، والصديقُ.......

الصفحات