كتاب " نرجسية الإبداع في فرادة المرواة " ، تأليف د .
أنت هنا
قراءة كتاب نرجسية الإبداع في فرادة المرواة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
على أن المرواة سعت الى تشظية المكان حين جعلت مسرح أحداثها (مدينة الموصل) مقيداً لها حكايات متوارثة حيناً، وحكايات متخيلة حيناً آخر، تنبيء بما هو قد كان ولكنه لم يكن!! إذ أن المرواتي عمد الى توليد جديد لينابيع الحكاية الأولى، بدءاً من إغتيال مفهوم البطل التقليدي الذي يتحرك بقوة الراوي، إذ أصبح البطل عازفاً ليس بالمعنى السردي فقط؛ بل بالمعنى التجسيدي لذلك، عازفاً على فضاء الورقة ومتجاوزاً بذلك خطوط التلقي الاولى نحو تجريد مؤجل، لمرونة الموسيقى من جهة، وللشعرية العالية التي صاغت تلك المراوي التي تفرض متلقياً محتشداً بذخيرة ثقافية تتجاوز حدود التقليد في قراءة الروايات، فالجمل الموسيقية الواردة توقف المرواة عن التلقي البصري وتحوله الى التلقي السمعي الذي لا يسمع الألحان فقط؛ بل يعمد الى تعشيق ما يسمعه مع ما يقرأه في عملية متناوبة ومستمرة، حيناً يقرأ الجمل بملامح الموسيقى، وحيناً يسمع الموسيقى بملامح الجمل المسرودة وهي تصوغ تلك المراوي بتوتر جمالي تؤسطر أحد المناطق في مدينة الموصل كمرواة ((عبدو خوب)) أي ((العبد الصالح)) ((كان عبد (اسمه) يحب (خوب) ذهب بعد طول معاناة الى شيخ الشط (باسمه سميت المنطقة المطلة على النهر مباشرة) ليطلب منه المعونة على الزواج منها، (( قال له الشيخ: - ليك أن تلتقي بها سراً، حتى حين أقرره أنا. فقرر الشيخ أن تكون المدة خمسة وثلاثين يوماً، وقرارات الشيخ لم تكن لتأتي عفوية. فقد تمدد على سطح النهر، وظل يطفو الى أن وصل به المد الى حافة النهر))(18) وهو بهذا يؤجل الموروث الشعبي الموصلي حين يعمد الى خلق هذا الموروث المنعتق من ذاكرته الشعبية، إذ يصور علاقة حميمة ما بين (عبد) و(خوب) ويزيد من إرباك الذاكرة الجماعية حين يدخل (شيخ الشط) بكل زخمه الديني في تأثيث محموله الحكواتي واستلاب ذاكرة مدينة وجعلها تخرج بدلالات مطلقة الدلالة من عائديتها التاريخية وفي سياقات مرواتية ترفع مستوى الحدث الى الاسطرة وصناعة تابعة (للحكاء) تجعل المرواة شكلاً يمتلك خصائص فردية في إنتمائها الادبي لأن (( المرواة فضاء سردي يرتبط بروابط الإنتماء الى السرد الحكائي بوصفه البنية الفنية الأشمل للقص، ويقطع صلاته من ناحية أخرى بكل ما يؤدي به الى الاشتراك بفن القصة رواية كانت او قصة قصيرة او طويلة))(19) وهذا يمثل مفهوم التضايف الذي هو علاقة قائمة بين حدين/شيئين يتوارد حضورهما في حد آخر دون ان يلغي أحدهما الآخر ولا ان يغّير هذا التضايف صفات كل منهما، وهذا التضايف ما بين التجربة الكتابية /والسرد الحكائي عمد الى تكوين حد جديد (المرواة) التي تحمل صفات الحدين السابقين، فالتضايف ((كون الشيئين بحيث لا يتصور أحدهما ولا يوجد بدون الآخر؛ أو بحيث يكون تعلّق كل واحد منهما سبباً لتعلق الآخر به ))(20) فإن ((التضايف هو الترابط ويطلق على الصلة بين ظاهرتين تتغيران معاً في نظام متناسب الأجزاء، كالتناسب بين الطول والوزن في أجسام البشر، أو التناسب بين تقسيم العمل وكثافة السكان في المجتمع، ويقال على الحدين اللذين يوجد بينهما مثل هذا التناسب إنهما مترابطان))(21)، وهذا الترابط أدى الى غاية معرفية (المرواة) بتوفرها على التناوب ما بين حدود العلم الأول (التجربة الكتابية) وحدود العلم الثاني (السرد الحكائي) بما يبني معرفة موضوعية (المرواة) لا تميل الى علم دون أخر، ولا توقع التضايف في تكرار حدود كل علم؛ بل تأخذ ما يناسب حدود التضايف وتعمد الى إغنائه وإثرائه وهي بهذه العملية تضيف الى حدود كل علم عمقاً ونضجاً يوفر فهماً جديدا لحدود كل علم. فالتضايف الذي سعى إليه (المرواتي) هو ذلك الذي لا يبحث فيه عن حدود كل علم بطريقة الإستنباط والإكتشاف وكأنه مستور عن العيان؛ بل يكشف عن آلية إشتغاله المعرفي ويعلن عن حضور كل علم فيه دون إخفاء لتتحقق غاية التضايف وهو ترسيم حدود العلم الناتج من هذا العلاقة (المرواة) ومعرفة المفاهيم التي أخذت من كل علم وكيف تضايفت بطريقة أضفت بعداً معرفياً جديدا على نفسها وعلى ما تضايفت معه؛ لأن السرد الحكائي أخذ بعداً فنياً عندما تضايف مع المرواة، كما هو الحال بالنسبة (للمرواة) التي سرد حكاياتها بموسقة فنية أسست عالماً حكائياً خاصاً، ولا سيما ان بطل المرواة خلق عالمه وفق قوانينه هو وسيّر خطوط الأحداث الى مآلها برؤيته التي رسمت مجريات الأحداث دون المرور بتجربة مشابهة له قد تحمل معها رائحة الأجترار وبعملية تتجاوز كتلة المخيلة نحو التخيل للتراسل الحاصل ما بين السرد بتكوينه والموسيقى بنوتاتها المتغيرة مع تغير السرد، ما يوقع فضاء التلقي في ذهنية مفتوحة من الاحتمال والارجاء الدائم لما هو قادم من المعنى.