كتاب " نرجسية الإبداع في فرادة المرواة " ، تأليف د .
قراءة كتاب نرجسية الإبداع في فرادة المرواة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المقدمة
تسعى كل ذات الى البحث عن هويتها، إذ ان الهوية ليست وجوداً مسبقاً ! بل وجود مكتسب تفرزه معطيات يتضايف فيها الواقعي بالفكري لتشكيل إنتماء الانسان وتكوين خصائصه التي يعرف بها في مجتمعه. والكتابة هي احدى الفعاليات الانسانية التي تشكل معلماً يتفرد من خلالها الكاتب عن غيره لما تمتلكه من وعي يتساوق مع تقادم الزمن لتحيين اللحظة التي تسعى الى الإمتداد من الماضي الى الحاضر في محاولة البحث عن الوجود ذلك الأرق الأزلي الذي أصاب الانسان مذ ان بدأ يفكر في ان الماء أصل الأشياء وتبعته دهشة أرسطو ليجادل بها الوجود بما هو موجود. وربما ان الكتابة ولاسيما بشكل كتابي جديد هي تعبير عن صحوة هايدجر حين تساءل لماذا ثمة وجود وليس ثمة عدم ؟ لتكون هذه المرواة للـ(د.عمار احمد) شكلاً من أشكال ذلك التفكير في العدم وإخراجه الى حيز الوجود بشكل صيغة فردية، إذ ان المرواة ليست شكلاً كتابياً جديداً فحسب؛ بل هي رؤية ذات الى الوجود واسلوب تفكير في حياة تحاول التعامل معها والتعالي على مسلماتها بإنشاء حضور يمتلك بيان ولادته دون أية مرجعية ! وهو ما جعل قراءتها تمثل تجربة إبداعية تضاف الى تجربة كاتبها وهو ما جذبني اليها قبل سنوات حين أهداني كاتبها نسخة منها، فكتبت مقالي الاول عنها سنة 2007 والمنشور في جريدة الزمان، إذ شعرت حينها أنني امام تجربة تختلف عما كنت أجده في نسق الاجناس الادبية، ولاسيما ان الخيال الذي أوحت به إليه (المرواة) لا يمتلك اتصالاً الى ذاكرة خيال الاجناس الادبية، وحين فاتحني صديقي العزيز الأستاذ (جعفر أحمد) في كتاب عن هذه التجربة المتفردة، وافقته على ذلك لما تمتلكه هذه التجربة من خصائص متميزة تجعلها جديرة بالوقوف عليها والتفاعل معها، ليس بوصف النقد عملية مجتزأة عن فضاء المرواة، بل تفاعل خلاق يستمد مكوناته من المرواة بكل تجلياتها الثقافية والفكرية؛ لأن الوعي الذي تقصد إنشائها من قبل (د.عمار أحمد) أنطلق من تمثلات ذاتية أختطت لنفسها نسقها وشكلها وعالمها بكل مُثله في إنتمائه الأفلاطوني وواقعيته الأرسطوية مندفعاً أكثر في تشييد دقائق ذلك الوجود من تقلبات وتداعيات لغوية (العنوان، الموسيقى، الجذاذات) تسعى كل واحدة منها الى الى التمايز عن غيرها وفتح عوالمها الثقافية وحيازة بؤرة العمل بإنتمائها اللغوي والدلالي وفضائها الطباعي.
فالمرواة أعتراض فكري لقواعد الالتزام والنزوع الجمعي من قبل دعاة التطبع مع الاجناس الادبية السابقة، وتقييماً ذاتياً من قبل (د.عمار أحمد) لواقعه وزمنه وانفتاح وعيه ومدى تفاعله مع العالم الذي يعيشه. والمرواة تَشكل مفتوح لا يسعى الى إستيفاء المعنى من خلال حكايته، إذ لا نفهم منها ما هو الآن فحسب ولاسيما شكلها الكتابي الذي يضمر مكيدة مقصودة نحو الوعي الذي استهلكته تقليدية الجنس، فهي (المرواة) تخلق تآلفها الثقافي بذاتها بعد أن تَعمد الى تحرير القارىء من تبعيته للذاكرة المقيدة بعناصر وتقنيات الاجناس ودفعه الى الوقوف بوعيه في فضاء (المرواة) في متواليات متتابعة من تمثلاتها العصية على الانتماء او انحيازها لذاكرة سابقة عليها.
إن تجربة (د.عمار أحمد) الكتابية تستفز ثقافة القارىء ولاسيما أنه تعمد هذا الاستفزاز الفكري بدءاً من العنوان الذي أثث ملامحه التشكيلة برؤيته الذاتية، وأضاف اليه الموسيقى في المتن بكل إيحاءاتها التجريدية ما تتطلب قارئا متميزاً يستطيع ان يتمثل ذلك الحراك التفاعلي بين بنية المرواة والموسيقى دون ان يقع في تقاطع فيما بينهما، ثم أضاف (د.عمار أحمد) الجذاذات التي تخللت المتن وهي حالة متفردة تضاف الى تفرد الحالات السابقة.
ومن الجدير بالذكر أنني كتبت عن الطبعة الأولى عن هذه المراوي الصادرة في نينوى عام 2003، قبل صدور الطبعة الثانية الصادرة عن دار الحوار 2011، فجاء هذا الكتاب وهو يؤسطر لتلك المثالية القرائية ولنظرية القراءة حين يتغير شكل الكتاب وشكل الورق وحتى تلك الرسوم التي تزين واجهة الغلاف، وهو السبب الذي دفعنا الى أن نضمّن كتابنا هذا غلافي الطبعتين كي لا يلتبس الأمر على القاريء.
إن هذا الكتاب هو وقفة تأملية لهذا التشكل الجديد للفضاء السردي بكل أسطرته الذاتية وحكاياته المُخلّقة من قبل كاتبها وتشخيص مواطن الجمال والتفرد فيها في محاولتها لتجاوز القادم والسعي الى كسر خطية التجنيس بطريقة تضمن لها البقاء رغم توالي الزمن، ونستطيع القول إنها الساعة الأن، إنها (المرواة) وهي ما تشير الى ساعة (د. عمار أحمد) بكل زمنه ومكانه وثقافته ونرجسيته الإبداعية وطموحه في بناء شكل يبعث حياته من تلقاء نفسه دون المرور بهواء سابق..!.
د. عامر جميل شامي