إذا كانت الأنوثة وحدها لا تكفي لتعريف المرأة، ورفضنا أيضاً أن نفسرها بمفهوم «المرأة الخالدة» وبالتالي إذا كنا، نسلم ولو بصورة مؤقتة، أن هناك نساء على الأرض، فعلينا حينئذ أن نتساءل ما هي المرأة؟
أنت هنا
قراءة كتاب الجنس الآخر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الجنس الآخر
الصفحة رقم: 3
المقدمة
ترددت طويلاً قبل أن أُقدم على تأليف كتاب حول المرأة؛ صحيح أن الموضوع مثير، خاصة بالنسبة إلى النساء، إلا أنه ليس بالجديد.
وعلى كل حال، هل هناك مشكلة؟ وما هي؟ بل هل هناك نساء؟ يقال لنا: «الأنوثة في خطر» ويحثوننا قائلين: «كنّ نساء ... أبْقَيْن نساء». فكأنما كل كائن إنساني مؤنث ليس امرأة بالضرورة بل ينبغي له أن يساهم بهذا الواقع الخفي الذي هو الأنوثة. وهل تتكفل المبيضات بإفراز الأنوثة أم أن هذه تكمن في سماء أفلاطونية؟
في عهد القديس توماس كانت المرأة تبدو كجوهر تحدد خصائصه كما تحدد خصائص ومزايا نبات الخشخاش. إلا أن هذا المذهب الفكري فَقَدَ من نفوذه لأن العلوم البيولوجية والاجتماعية لم تعد تقر بوجود جوهر جامد ثابت يحدد نماذج معينة كالمرأة واليهودي والزنجي.
إن موقف التحدي الذي تقفه النساء الأميركيات يثبت أن شعور الأنوثة يطغى عليهن. والحقيقة أنه يكفي إلقاء نظرة للتأكد من أن الإنسانية تنقسم إلى فئتين تتمايزان باللباس والوجه والجسم والابتسامة والمشي والاهتمام والمشاغل تمايزاً واضحاً، وقد تكون هذه الفوارق سطحية وذاهبة إلى الزوال. إنما الأكيد أنها موجودة في الوقت الحالي بكل وضوح.
إذا كانت الأنوثة وحدها لا تكفي لتعريف المرأة، ورفضنا أيضاً أن نفسرها بمفهوم «المرأة الخالدة» وبالتالي إذا كنا، نسلم ولو بصورة مؤقتة، أن هناك نساء على الأرض، فعلينا حينئذ أن نتساءل ما هي المرأة؟
إن الرجل يعتبِر جسمه كما لو كان كائناً مستقلاً يتصل مع العالم اتصالاً حراً خاضعاً لإرادته هو ... بينما يعتبِر جسم المرأة شيئاً حافلاً بالقيود التي تعرقل حركة صاحبته. ألم يقل أفلاطون: «الأنثى هي أنثى بسبب نقص في الصفات»!
إن الإنسانية في عُرف الرجل شيء مذكر فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الإنساني الحقيقي ... أما المرأة فهي في عُرفه تمثل الجنس «الآخر».
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف تمكن أحد الجنسين فقط من فرض نفسه كجوهر وحيد، منكِراً وجود كل نسبية تربطه بالجنس الآخر، معرِّفاً إياه بأنه الآخر الصرف. ومن أين أتى للمرأة هذا الرضوخ؟
هناك حالات أخرى ترينا تمكُّن فئة من التحكم بفئة أخرى خلال فترة من الزمن. كان هذا الامتياز ناجماً في الغالب عن تمايز العدد فتفرض الأكثرية قانونها على الأقلية وتضطهدها. إلا أن النساء لسن أقلية، فضلاً عن أن هذا التسلط له بداية تاريخية معروفة. فمثلاً لم يكن هناك بروليتاريا مضطهدة على حين كان هناك دائماً نساء. إنهن نساء بتكوينهن الفيزيولوجي. ومهما أوغلنا في التاريخ القديم نرى النساء مُلْحَقات بالرجال. هذه التبعية ليست نتيجة حادث تاريخي وليست بالأمر الطارئ؛ مما يجعل من المرأة الجنس الآخر بصورة مطلقة.
إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالاً رمزياً. ولم تفز إلا بما أراد الرجل التنازل عنه. لم تأخذ شيئاً أبداً بل تسلمت ما أُعطي إليها.
لا تستطيع المرأة حتى في الحلم إزالة الذكور. فالعلاقة التي تربطها بمضطهديها لا مثيل لها. ذلك أن انقسام الجنس هو في الواقع شيء عضوي محسوس وليس مرحلة من تاريخ البشر. إن ما يميز المرأة بصورة أساسية هو كونها الجنس الآخر ضمن وحدة ذات حدين متلازمين.
قد يُخيّل إلينا أن هذه العلاقة المتبادلة قد ساعدت على تحرير المرأة. والحقيقة أن الحاجة البيولوجية التي تجعل الذكر مقيداً بالأنثى لم تحرر المرأة اجتماعياً. وإذا كان إلحاح الحاجة متساوياً عند الطرفين فإنه يتدخل دائماً في صالح المضطهدين ضد المضطهدين.
إلى جانب ميل المرء إلى تأكيد نفسه كشخص، هناك ميل إلى الهروب من حريته وتحويل نفسه إلى غرض أو إلى متاع. إن هذه الطريق، طريق وخيمة، لأن المرء السلبي الذي يعيش في ضياع، يصبح فريسة لإرادة الآخرين، عاجزاً عن إغناء ذاته، محروماً من كل القيم. ولكنها طريق سهلة لأنها تجنب المرء الحيرة والمسؤولية. لذلك يَلقي الرجل الذي يجعل من المرأة «الجنس الآخر» استعداداً عميقاً من جانبها يساعده في مهمته.
هكذا لا تطلب المرأة لنفسها صفة الشخص الذي يؤكد ذاته، لأنها محرومة من الوسائل الملموسة؛ ولأنها تحس بالعلاقة الضرورية التي تربطها بالرجل دون أن تعتبرها علاقة متبادلة؛ ولأنها تقنع غالباً بدورها كـ «جنس آخر».
حينئذ يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف ابتدأت هذه القصة كلها؟ من المفهوم أن يتحول ازدواج الجنس (كأي ازدواج) إلى نزاع. ومن المفهوم أنه إذا نجح أحد الطرفين في فرض تفوقه فإن هذا التفوق يميل إلى تأكيد نفسه تأكيداً مطلقاً. ولكن ينبغي لنا أن نشرح لماذا كان الرجل هو الرابح في البداية؟ لماذا كان هذا العالم دائماً تابعاً للرجال، ولماذا لم تأخذ الأشياء في التبدل إلا في هذه الأيام فقط؟ هل هذا التبدل شيء حسن؟ وهل سيقسم العالم تقسمياً عادلاً بين الرجال والنساء؟
هذه الأسئلة ليست بالجديدة؛ وقد لقيت أجوبة عديدة. إلا أن مجرد اعتبار المرأة «الجنس الآخر» يُخرج كل التبريرات التي يقدمها الرجال لأنها كانت مستوحاة من مصالحهم.
قال أحد أنصار المرأة المغمورين: «كل ما كُتب عن المرأة من قِبَل الرجال يجب أن يثير الشبهات لأنهم خصوم وحُكّام في الوقت ذاته. وقد سخّروا اللاهوت والفلسفة والقوانين لخدمة مصالحهم».
وفي القرن الثامن عشر فقط أخذ بعض الرجال المشبعين حقاً بالديمقراطية يواجهون المسألة بصورة موضوعية.