أنت هنا

قراءة كتاب أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

أساليب تدريس قواعد اللغة العربية

كتاب " أساليب تدريس قواعد اللغة العربية " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 5

وقد اصطبغت دراسة اللغة بحاجات المجتمعات ومشكلاتها عموما، وبهذا يكون شأن اللغة شأن العلوم الأخرى إذ إنها تنشأ وتترعرع لدى الإحساس الاجتماعي بالحاجة إليها لحل مشكلات تلك الحضارة كل حسب ميدانه.

اهتم المفكرون والفلاسفة والعلماء باللغة منذ القدم إذ تناولوها بالدراسة والتحليل. فتأمل اليونانيون في نشأة اللغة، والعلاقة بين الكلمات ومعانيها، وطبقوا مبادئ المنطق على مسائل النحو، ونشأ عندهم الجدل حول طبيعة العلاقة بين معاني الكلمات وأصواتها، أهي علاقة اعتباطية أم هي علاقة منطقية؟ وبهذا يكون اليونانيون من أسبق الشعوب الأوربية في دراسة اللغة. وقد قال ديمقريطس (460-360 تقريباً ق.م) ”بنكران النشأة الإلهية للغة. وأكّد أن اللغة غير كاملة كما يدل ذلك وجود المترادفات، والشواذ القواعدية، وتغير اللغة عبر الزمان“.

وأكد أفلاطون (427-347ق.م) ”أن اسم الشيء لا يمثل الشيء بنفسه، بل يمثل فكرة الشيء فقط“. وحول مسألة نشوء اللغة قال سقراط: ”إن القول بالمصدر الإلهي للكلمات ما هو إلا محاولة للتهرب من البحث العلمي في مصدر الأسماء“.

(أما أرسطو فتوجه توجها فلسفيا وعلميا في دراسة اللغة فقال:

”إن اللغة لا توجد إلا بين البشر. وأن تغريد الطيور هو أقرب الأشياء للغة بين الحيوان“.

واعتقد أنّ الأطفال لا يستطيعون النطق كالكبار لأنهم لم يوفقوا بعد في السيطرة على ألسنتهم، ويسيطر الطفل على لسانه من خلال التدريب. وأن الفرق بين الحيوان والإنسان في النطق يكمن في استعمال الإنسان للسانه، والفرق بين لغة الإنسان، وتصويت الأطفال والحيوان. إن لغة الإنسان قابلة للاختزال إلى مقاطع، ولا يكون ذلك في تصويت الحيوان والأطفال، وقرر أن اللغة هي جزء من النظام الطبيعي، أما معاني الكلمات فهي من صنع الإنسان. وقسم الكلام على قسمين أساسيين هما الأسماء والأفعال، أما ما هو غير ذلك فوظيفته الربط المنطقي في جوانب عملية التفكير).

أما ابقريطس فقد رأى:

”أن اللغة نشأت من الطبيعة بينما لعبت مدرسة الإسكندرية دورا مهما في دراسة اللغة فخرجت جيلاً بعد جيل من النحويين والبلاغيين والموسوعيين...الخ“.

أما الرومان فقد اقتبسوا الكثير من اليونانيين. واهتموا للغة لأنهم اعتمدوا عليها في السيطرة على أجزاء إمبراطوريتهم الواسعة الأطراف.

واهتم المسيحيون للغة واتخذوها أداة لنشر الدين عبر الأمصار، كما أنهم يعتقدون أنّ اللغة هبة من الله. أما المسلمون فقد اهتموا للغة القرآن الكريم وحرصوا عليها من التحريف، كما اهتموا لدراسة النحو حين شرع أبو الأسود الدؤلي بوضع أسسه (واهتم العرب أيضا بمسألة نشوء اللغة مثل ابن جني. كما ثار الجدل بين العلماء فيما إذا كانت اللغة موضوعة أو موقوفة (أي منزلة من الله تعالى) فابن فارس يرى أنها موقوفة، وابن جني يرجح أنها اصطلاح. وقد درس ابن سينا تشريح أجهزة النطق وكتب عنها مفصلا، فألف رسالة بعنوان (أسباب حدوث الحروف) وإذا أضفنا لهذه الرسالة ما كتبه في الجزء الثاني من كتاب القانون في الفصل المعنون تشريح الحنجرة والقصبة الهوائية. وما كتبه عن مسألة السمع في كتابه (الشفاء) يتبين لنا مدى أصالة ابن سينا فيما طرقه من مواضيع تدور حول الأسس التشريحية لإنتاج الكلام وتسلمه. وكتب الكندي في الأجهزة التشريحية المسؤولة عن النطق).

أما النظريات المعاصرة في اكتساب اللغة فقد اتجه العلماء والباحثون فيها اتجاهين متعارضين وهما: الاتجاه البيئي، والاتجاه الفطري.

فالعلماء البيئيون من أمثال (سكينر) يؤكدون أن عملية اكتساب اللغة نوع من التعلم فهي تخضع للقوانين والمبادئ التي تخضع لها أنواع التعلم كافة، كالمحاكاة والثواب والعقاب والتعزيز، فعندما يتمكن الطفل من إنتاج الأصوات الكلامية، يقوم بتقليد الكلمات التي يسمعها في بيئته. فإذا اتفقت هذه الكلمات واقتربت من النمط اللغوي السائد في البيئة يقوم الراشدون بتعزيزها، مما يزيد احتمال تكرار حدوثها في الأوضاع والسياقات المستقبلية المشابهة وتعلمها، أما إذا كانت تلك الكلمات غير متفقة أو مقتربة من هذا النمط فسيقوم الراشدون بتجاهلها وعدم تعزيزها، مما يقلل حدوثها في المستقبل وعدم تعلمها.

أما العلماء الفطريون من أمثال (جومسكي) فيفترضون وجود بنى فطرية معينة، تنشط في سن معينة من النمو وينسبون إليها الدور المهم الذي يمكّن الطفل من اكتساب اللغة. أما عمليات المحاكاة والتعزيز فلا تؤدي إلا دورا ثانوياً في اكتساب اللغة. ولهذا افترض تشومسكي وجود أداة فطرية لاكتساب اللغة. تقوم بتخزين ومعالجة المعطيات اللغوية الخام التي يسمعها الطفل، وتمكنه من توليد مجموعة من القواعد اللغوية شبه المتناسقة والثابتة، والتي ربما تختلف عن القواعد اللغوية التي يستخدمها الراشدون، ويعتقد تشومسكي أن افتراض مثل هذه الميكانيزمات الفطرية، هو أمر ضروري لتفسير بعض الظواهر اللغوية العالمية التي تتبدى لدى اكتساب اللغة ونموها، كالسن الذي يبدأ فيه الطفل هذا الاكتساب، والبنية أو الانتظام الذي يتم به، إذ تبين أن معظم الأطفال الأسوياء يبدؤون باكتساب اللغة في سنّ واحدة تقريباً، ويستخدمون الميكانيزمات ذاتها على الرغم من اختلاف المعطيات اللغوية المتوافرة في بيئاتهم والتي يزودهم آباؤهم بها.

أما ماكنيل فيرى أن اتخاذ موقف حاسم إلى جانب البيئيين أم الفطريين، لم يكن أمراً مجدياً، فهو يرى أن البيئيين يفشلون في تفسير ظاهرة الابتكار اللغوي التي تتبدى عند الطفل فيما بين الثانية والخامسة من عمره، والتي تمكنه من إنتاج عبارات لم يسمعها في بيئته، ومن استخدام بعض القواعد اللغوية غير المتوافرة في لغة الراشدين في بيئته.

ويرى أيضاً أن الفطريين يعجزون عن تفسير عملية اكتساب اللغة دون عمليتي التقليد (المحاكاة) والتعزيز، لأن هاتين العمليتين تشكلان المفتاح الأساسي لاكتساب اللغة. وتشير المعلومات التي أسفرت عنها نتائج البحوث حتى الآن أن كلا التفسيرين -البيئي والفطري- صادق جزئيا، ومسؤولان معا عن تفسير ظاهرة اكتساب اللغة، لوجود بعض الأدلة التي تؤيد كلاً منهما.

إن اللغة الإنسانية لم تصل إلى استكمال مقوماتها من حيث تنويع الأصوات وأحكام الألفاظ، والدلالة الدقيقة على المعاني المختلفة إلا في عدة مراحل متعاقبة، وإذا اتخذنا ظاهرة النمو اللغوي عند الإنسان من عهد الطفولة إلى الرجولة مثالا نقيس به المراحل التي مرت بها نشأة اللغات فإننا نجد اللغة قد انتقلت من الأصوات إلى المقاطع إلى الألفاظ، ثم أخضعت لنوع من الوضع والاصطلاح، (ولما تجاوزت اللغة مرحلة النشأة والطفولة دخلت في طور تقديم جديد، وهو طور القوانين والضوابط اللغوية، التي تحميها من الفساد، ثم تهيأت لها بعد ذلك ألوان من التجميل والزينة والتأنق).

الصفحات