أنت هنا

قراءة كتاب فن القصة وجهة نظر وتجربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فن القصة وجهة نظر وتجربة

فن القصة وجهة نظر وتجربة

لكتابة القصة همومها وشجونها، كما هو شأن كل أنواع الإبداع الإنساني، وقد صارت الحاجة ملحّة للبحث فيها على خطى متزنة، بعد أن كثرت النزعات التجريبية، وتعددت الاتجاهات النقدية، وساد الخلط واللغط، مع نشوء نوع من الكتابة، تتستر بالحداثة، وتعطي أهمية خاصة للنص المف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
 وصرت أصدق أن الكاتب الأكثر تجربة وبصيرة وصل إليها، مهما كانت ملتبسة أو خبيئة، وأنه بذل جهده وتحرى أسبابها ودوافعها وانتقاها بذكاء وصاغها بمقدرة، على شكل قصص فنية جاذبة لاهتمام القارئ. ولأن مهارة الكاتب في رصد الأحداث وأحوال النفس وتحويلها إلى قطع فنية أخذت تشدني، فقد سهل علي ملاحظة أن بعض القصص يخلو من نبض الحياة، وأن شخصيات بعض القصص باهتة تتحرك كدمى في يد الكاتب وتنطق بكلام لا يخصها، وكأنه وضع قسراً على لسانها، وتتلبس عواطف ليست من جنسها، فهي مستعارة بالكامل. عزوت الفوارق لوفرة تجارب الكاتب أو نقص تجاربه وعوزه، فعملت على تعميق تجاربي الحياتية وملاحظة كل من وما أمر به، من صورته الكلية إلى أدق التفاصيل، لمجرد المتعة في البداية، ثم كوظيفة وعادة مستحكمة درجت عليها. أدعو كل كاتب ومقبل على الكتابة إلى فعل ذلك، للمتعة والفائدة، فلا مناص لنا جميعاً من المتح من مخزون الحياة المذهل في سخاء عطاءاته.
 
سيأخذ البحث من هنا، منحى الخوض في الصلة الحميمة بين كاتب القصة والحياة، فذلك ما سيثري الكتابة أكثر مما يثريها الخوض في الآليات والبنى والأنساق، وإن كان لا غنى عن إجادة كل ذلك. صلة المادة القصصية بالحياة، هي وجه آخر لصلة الكاتب نفسه بالحياة، ولا يستقيم أمر كتابة القصة من دون معرفة الحياة وتلمس ذائقتها، بحلوها ومرها، وهي التي ستثري كتابته وتكسبها ذلك الوهج الغريب والآسر الذي يجعلنا نعيد النظر في ما عشناه واكتشاف ما خفي علينا وأهملناه.
 
سأورد لغاية تقريب منهج البحث، قصة هواية استحوذت عليّ وعلى زملاء آخرين، في مرحلة مبكرة من حياتنا. أعرف أن الحديث سيبدو تبسيطاً ساذجاً لموضوع شاق وشائك، غير أنه ليس كذلك في حقيقة الأمر، فقد تحولت تلك الهواية إلى عادة مفيدة، لمست جدواها في ما بعد، كما أنها بحد ذاتها أقرب إلى التجارب المطلوبة لمران الكاتب وزيادة حصيلته وتسهيل مهمته وتحسين مقدرته على الكتابة. وكما قال أرسطو: فإن التقليد صفة تلازم الإنسان منذ الطفولة.
 
كنا مجموعة أصدقاء نلتقي أثناء الدراسة الثانوية على الشغف بقراءاتنا الأدبية. كنا نجتمع ونستعيد القصائد ونتداول في أمر ما قرأنا من روايات وقصص قصيرة، فنفتن بحقائق الحياة التي تتكشف لنا، وبسيرة الشخصيات التي نتعرف إليها، أو مجريات الأحداث التي نتابع سياقها، ثم عنّ على بالنا أن نلهو بلعبة القص، تلك التي فتنتنا. كان أحدنا يبدأ بجملة قصصية، بداية حدث مما يجري مثله في الواقع، ثم يسلّم جملته لآخر، ليبني عليها من بعده ويضيف، ثم يسلّمها لآخر، مما يساعد على بلورة قصة من مجموعة الأحداث المتتابعة بمساهمة الجميع. كانت جمل القص تسير في سياق واحد وتتدرج في النمو وتشكل قصة بصرف النظر عن جودتها، وقد يحدث أحياناً أن يرد على بال أحدنا دفع القصة باتجاه مغاير لما سلكت عليه، فيورد حدثاً عارضاً من شأنه تغيير مسار القصة التي أخذت ملامحها في الوضوح. تبين لنا أن الحدث الواحد، قد يمضي في سياقات مختلفة وينتج آثاراً مختلفة، وهكذا هي الحياة.

الصفحات