لكتابة القصة همومها وشجونها، كما هو شأن كل أنواع الإبداع الإنساني، وقد صارت الحاجة ملحّة للبحث فيها على خطى متزنة، بعد أن كثرت النزعات التجريبية، وتعددت الاتجاهات النقدية، وساد الخلط واللغط، مع نشوء نوع من الكتابة، تتستر بالحداثة، وتعطي أهمية خاصة للنص المف
أنت هنا
قراءة كتاب فن القصة وجهة نظر وتجربة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
حين انتهيت من قراءة كتاب «علم النفس التربوي» وجدت أن الإنسان، وبخاصة المبدع الذي يرغب في تحسين فنه واستكمال عدته، يمارس بحكم العادة ودون توجيه، تدريب قواه وملكاته العقلية بمستوى أساليب التدريب المنهجية المعروضة فيه وبمقادير مختلفة، وهذه إحدى معجزات العقل. لقد قام العقل بوظائفه على أكمل وجه، منذ بداية نشوء المجتمعات البشرية وحتى الآن. أنا لا أنوي القول بتجنب هذه الأساليب المدرسية، فهي متروكة للمدرّسين، ولست هنا لأحذو حذوهم أيضاً في أساليب التدريس، ولكن لأنبه أن بوسع المبدعين وضع قدرات عقولهم وبحرية مطلقة في خدمة أغراضهم الإبداعية، ولأحثهم على رفع وتيرة نشاطات عقولهم وزيادة محاصيلهم من المواد والملاحظات والمعارف والصور والنكهات، فهذا ما يحتاجونه في إبداعاتهم وما يثريها، فالوسيلة إلى ذلك تنبع من الغاية، ولكل كاتب اتباع وسائله النابعة من سجاياه والخادمة لأغراضه.
ما يعنيني هنا من تناول كل ملكة أو قوة عقلية على حدة، هو البحث في وظيفتها ووسائل مرانها وصقلها وتعظيم إنتاجيتها، هو ما يخص عمليات الإبداع على وجه العموم، وما يخص كتابة القصة القصيرة على وجه الخصوص، وهذا ما أنا مقدم عليه، تاركاً لعلماء التربية العقلية دروسهم وطرائق تعليمهم التي استنبطوها ونصحوا باتباعها، فمهمتهم هي تربية العقل من دون العناية بتوجيه قدراته نحو خلق معين.
أما ما يخص الجمال، وعلى وجه التحديد في مجال القصة القصيرة وهو الغائية، النسق، الترتيب، الصفاء، السطوع، التناغم، النمنمات وكل المكونات الحاضرة في الذهن والغائبة عنه، فهو صفة ملازمة لكل إبداع، وهو يغني البحث في القصة القصيرة برمته، ولا ينتزع منه خصوصيته، فنوافذ كل الفنون مشرعة بعضها على بعض، مما يسمح بتأثر الفن الواحد ببقية الفنون وتأثيره فيها، فأنت تجد شيئاً من الموسيقى وشيئاً من التشكيل وشيئاً من الشعر في القصة وبالقدر الذي لا يطغى عليها ولا يزعزع أعمدتها. كما تجد شيئاً من القص في بقية الفنون.
ويورد لنا كتاب «علم الجمال الماركسي اللينيني» (ترجمة فؤاد مرعي)، هذا المقطع من حديث دار بين الراجا وحكيم هندي، نقلاً عن مؤلَّف هندي يدعى شلبا شاسترا:
الراجا: أيها الطاهر كن طيباً وعلّمني طريقة إنشاء التماثيل.
الحكيم: إن الذي لا يعرف قوانين الرسم لن يفهم قوانين إنشاء التماثيل.