أنت هنا

قراءة كتاب الفاظ الثواب في القرآن الكريم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفاظ الثواب في القرآن الكريم

الفاظ الثواب في القرآن الكريم

كتاب " الفاظ الثواب في القرآن الكريم " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

وقسّم المناطقة والأصوليون (الدّلالة) إلى ثلاثة أقسام:

1. عقلية؛ اذا كانت بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في الواقع الخارجي، كالنار والدخان.

2. طبيعية؛ إذا كانت الملازمة بين الدال والمدلول بما يقتضيه طبع الانسان، كالتأوّه والوجع.

3. وضعية؛ اذا كانت الملازمة بين الدّال والمدلول ناشئة من الاصطلاح والمواضعة، وهذه قد تكون غير لفظية، كالإشارات والخطوط، ولفظية إذا كان الدال لفظاً([21]).

والذي يعنينا في هذه الدراسة، هو الدَّلالة اللفظية التي تعني: (كون اللفظ بحيث متى أُطلِقَ أو تُخُيِّل، فُهِمَ منه معناه للعلم بوضعه)([22]). وأداتها: اللفظ أَو الكلمة([23]).

وهذا التعريف يثير مسألة مهمة، هي مسألة الوضع: ومن المعروف أن اللفظ موضوع للتعبير عمّا في الذهن، وليس للماهية([24])، فهو غير الفكر، الذي هو نقل الواقع الى الّدماغ بوساطة الحواس، وربطه بمعلومات سابقة، تفسّر هذا الواقع، وتحكم عليه. أَمّا اللفظ فقد وضع للتعبير عن الصورة الذهنية سواء طابقت الواقع أَمْ خالفته، فهو دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية([25]). ولأظهر أن يقال: إنّ اللفظ موضوع بإِزاء المعنى من حيث هو، مع قطع النظر عن كونه ذهنياً أو خارجياً([26]).

ويبدو أَنَّ دراسة دلالة اللفظ لا تقتصر على بيان العلاقة بين الدال -وهو اللفظ- وبين المدلول- وهو الصورة الذهنية-. بل لا بد من إدخال الواقع، وهو العنصر الثالث، وقد نبّه حازم القرطاجني (ت 648هـ) على دراسة هذه الجوانب بالإشارة الى ضرورة معرفة جهة ما يكون عليه اللفظ الدال على الصورة الذهنية في نفسه. وموقعه من النفوس، ومن جهة ما تكون عليه الصور الذهنية في أنفسها، وموقعها من النفوس، ومن جهة ما تكون عليه في أنفسها الأشياء التي تكون المعاني الذهنية صوراً لها وأمثلة دالة عليها، وموقعها في النفوس([27]).

وعلى هذا فما ذهب اليه أحد الدارسين من (أننا لا نحصل على معاني الأشياء بمجرد الربط بين الألفاظ ومدلولاتها في العالم الخارجي فحسب، بل ضمن مفهومنا للعالم الخارجي من خلال معانينا السابقة له)([28])رأيٌ تعوزه الدقة. ولأن مدلول اللفظ هو المعنى من حيث هو، أَمّا ما يقابله في العالم الخارجي، فهو الواقع، وفهم هذا الواقع -كما أسلفنا- يتم عن طريق نقله بوساطة الحواس إلى الدماغ. وتفسيره في ضوء المعلومات السابقة، أَمّا تحديد الدّلالة فيكون بالنظر الى عناصرها الثلاثة؛ اللفظ والمعنى والواقع، وبيان العلاقة بينها([29]).

أَمّا من فسّر الدّلالة بأَنّها: رابطة مخصوصة بين اللفظ والمعنى، مترتبة على الوضع([30]). فقط أهمل جانب الواقع، لأنّ الدّلالة لا تعني: مجرد المعنى. والوضع الأول -وإنْ كان يمثل الحقيقة الوضعية للفظ- إلاّ أَنَّه لا يمنع من (تتبع التطور الدّلالي لتلك اللفظة، وما يظللها من المفاهيم التي تتوارد عليها بعرف الاستعمال)([31])، ومن هنا نشأت الحقيقة العرفية التي تعّد مجازاً لغوياً، اكتسب معناه في اصطلاح التخاطب([32]).

وقد ذكر الدارسون حقيقة أخرى، هي الحقيقة الشرعية، باعتبار أنّ اللفظ موضوع لمعنى شرعي([33]). وهو يمثل نوعاً من المجاز اللغوي أيضاً، لأنّ كلتا الحقيقتين؛ العرفية والشرعية لا تثبت صلتهما بالمعنى الوضعي.

وقد عُدَّ المجاز المعتمد على القرينة وضعاً تأويلياً([34])، لأنّ (القرينة مردّها للعرف.. ومن ثَمَّ، فدلالة المجاز على المعنى مطابقية، لأنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له)([35]).

وهذا يقودنا إلى أَنّ المناطقة والأصوليين قد جعلوا دلالة اللفظ على المعنى في ثلاثة أوجه: المطابقة، والتضمن، والالتزام، وقد سبق بيان المطابقية، أَمّا التضمنيّة، فتُعَدُّ جزءاً من الدلالة المذكورة، لأنهّا، تدلّ على جزء المعنى الموضوع له. والالتزامية: أن يدل اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له بطريق مستتبع خارج عن ذاته([36]). ومنهم من عدّها من قبيل الدلالة العقلية([37]).

وذهب الغزالي (ت 505 هـ) إلى أَنَّ الدلالة بطريق الالتزام غير معتبرة في التعريفات، بخلاف الدلالة بطريق المطابقة أَو التضمن، لأنها ليست من واضع اللغة، والمدلول فيها غير محدود ولا محصور([38])، ويأتي عدم انضباطها لأنّ التعويل فيها يكون على فهم السامع والتلازم الذهني.

إنَّ اللفظ إذا نُسِبَ إلى معناه، فالدال عليه بإحدى الدلالات السابقة، يكون على أقسام: ذكر منها الشافعي (ت 204هـ): الترادف والاشتراك، فقال: (خاطب الله بكتابه العرب بلسانها ، على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها.. وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة)([39]).

أَمَّا الغزالي، فقد ذهب إلى أَنَّ: (الأَلْفاظ المتعددة بالإضافة الى المسميّات المتعددة على أربعة منازل([40])... وهي المترادفة والمتباينة([41]) والمتواطئة و المشتركة)([42]). والمتباينة هي ألفاظ مختلفة، تدل على معان مختلفة حدّاً وحقيقة.

أَمّا المتواطئة، فهي ألفاظ تدل على أَعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها، كدلالة الإنسان على زيد وعمرو، أَو هي التي تطلق على أَشياء متغيرة بالعدد، ولكنها متفقة بالمعنى الذي وضع الاسم عليها ([43]).

إنّ الأَلْفاظ المتباينة والمتواطئة لا تمثل مشكلة دلالية، بيد أَنَّ الاشتراك والترادف يُعدّان من مشكلات الدلالة اللفظية التي عرضت للغة العربية([44]). ولهذا سيكون حظّهما من الدراسة أوفر من غيرهما في هذا البحث.

أَمّا المشترك، فقد أَشار اليه سيبويه بقوله: (أعلم أَنَّ من كلامهم.. اتفاق اللفظين والمعنى مختلف)([45]). وعدّه الشافعيُّ نوعاً من أنواع العموم، والعام غير ممتنع في كلام الله -تعالى-([46]). وذكره أَبو حاتم الرازي (ت 323 هـ)، مشيراً إلى أَنَّ من الأسماء ما يجرّ معنيين، ومنه ما يجرّ ثلاثة معان وأكثر، ومثّل لذلك بلفظي الزكاة والدين([47]). وأشار اليه ابن فارس (ت 395 هـ)، بقوله: (وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد)([48]).

أَمّا الغزالي فقد كان أكثر تحديداً في تعريفه لهذا النوع بقوله: و أَمّا المشتركة، فهي الأسامي التي تطلق على مسميات مختلفة، لا تشترك في الحّد والحقيقة البتة)([49]).

وقد نبّه على أَنَّ المشترك قد يدل على المتضادين أَيضاً، كما أَنَّه قد يكون مشكلاً قريب الشبه من المتواطيء، وفرّق بينهما من حيث أَنَّ المشترك لا مشاركة بين حقيقة ذات مسميّاته([50]).

وذكر الأمدي (ت 631 هـ) أَنَّ المشترك يكون موضوعاً على الكل حقيقة بالوضع الأول ([51]). وعرّفه البزدوي (ت 772 هـ) بقوله: (هو اللفظة الموضوعة لحقيقتين مختلفتين أَو أَكثر وضعا أَولاً من حيث هما مختلفان)([52]).

وعرّفه الشريف الجرجاني (ت 816 هـ) بقوله: (ما وضع لمعنى كثير بوضع كثير)([53]).

وذكر السيوطي (ت 911 هـ) أَنَّ المشترك هو (اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة)([54]).

ومن هذه التعريفات وجد عبدالكريم شديد أَنَّ المشترك اللفظي، لا بدّ أَنَّ يقوم على وحدة البناء اللفظي، واختلاف معانيه التي يدل عليها([55]). وإذا كان الشرط الثاني لا خلاف فيه، فإنّ وحدة البناء اللفظي ليست شرطاً. وذهب توفيق محمد شاهين إلى أَنَّ اختلاف الأبنية لا ينفي المشترك، لأَنَّ الاستعمال العربي في أساليبه الفصيحة شهد بوجود أكثر من وجه في كل لفظة وبناء ومصدر، واستدلّ على ذلك بلفظ (وجد)، الذي هو عمدة في ألفاظ المشترك([56]). ويظهر من التعريفات أَيضاً: أَنَّ دلالة اللفظ المشترك على معنيين أَو أَكثر يكون بطريق الحقيقة لا المجاز([57]).

واللفظ إذا دار بين الاشتراك وعدمه (كان الأغلب على الظن عدمه، لأَنَّ الاشتراك يخلّ بالفهم في حق السامع لتردد الذهن بين مفهوماته)([58]). إذ هو خلاف الأصل([59]).

وقد وقع خلاف بينهم حول وجوده في اللغة، فأنكره ابن درستويه (ت 347هـ) في أَثناء إنكاره للأضداد في أَصل الوضع ([60])، وتأكيده على أَنَّ ما يُظَنُّ من الاشتراك في لفظ (وجد)، إنمّا هو واقع على معان متحدة وهي، إصابة الشيء خيراً كان أو شراً ([61]). وأثبته جمهور اللغويين([62]).

وذهب حسن ظاظا إلى أنه (قليل جداً في اللغة، بالرغم مما يبدو من كثرته)([63]). والمشترك إنما وقع (إمّا لغفلة من الواضع.. بأن نسي وضعه الأول، وقد اشتهر في قوم، فوضعه ثانياً لمعنى آخر. واشتهر في آخرين، ثم تراضى الكلّ على الوضعين، أَولاختلاف الواضعين بأَنَّ ما وضعه واضع لمعنى، وضعه آخر لآخر. ثم اشتهر كلاهما بين الأقوام، أَو للقصد إلى تحريف الشيء لغيره مجملاً غير مفصل)([64]).

وهذا يعني: أَنَّ تعدد معاني اللفظ المشترك راجع الى تعدد وضع اللفظ([65])، كما أَنَّه لا يعلم أَنَّه وقع في اللغة من واضع واحد، ونتيجة لشيوع اللغة المشتركة، عرض الاشتراك([66]).

ويبدو أَنَّ القول بالوضع أمر لا يمكن اعتماده، لأَنَّه غير معروف، لذا كان عامل التغير الدلالي من العوامل التي أسهمت في ظهور المشترك، إذ هو مؤثر في دلالة اللفظ، فتتغير من وقت لآخر. وبتسجيل هذه الدلالات تكون للفظ الواحد دلالات مختلفة([67]).

الصفحات