كتاب " الفصل والوصل في القرآن الكريم " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الفصل والوصل في القرآن الكريم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وصل المفردات وفصلها
لقد مرّ أكثر البلاغيين-لاسيما القدماء منهم- بالمفردات مرور الكرام، فلم يتعرضوا لوصل المفردات وفصلها، لأن ذلك" في الغالب واضح أو لأنه يعلم حكمه من الجملتين"([181])، فركزوا في حديثهم على الجمل حينما ترتبط أو تنفصل لأن الإشكال يقع فيها دون المفردات، و" كان عبد القاهر الجرجاني(471هـ) قد اتخذ من الحديث من عطف المفردات سبيلاً للحديث عن عطف الجمل، ولكن لم يعقد لهذا القسم دراسة خاصة، لأنه مما يتحدث عنه النحاة، ولا يقع فيه الإشكال"([182])، أو لعل بعضهم أكد الأصل، وهو الفصل والوصل في الجمل وترك الحديث عن المفردات، قال السكاكي(626هـ): إن تمييز موضع العطف من غير موضعه في الجمل....هو الأصل في هذا الفن"([183]) وعبارة المفتاح هذه تشعرنا بعدم اختصاص هذا الباب بالجمل وحدها، لكنه الأصل فيها، وهذا لا يمنع في أن يشمل المفردات أيضاً، وكان الخطيب القزويني(739هـ) يظن أن غير الجمل متروك، لذلك قصر(العطف وتركه)على الجمل عند تعريفه للفصل والوصل، ولم يذكر المفرد، وعلى المنهج نفسه سار شّراح تلخيصه، لكن العصام الاسفراييني(951هـ) أشار إلى أن الفصل والوصل ليس مقصوراً على الجمل، بل" المقتضيات لها جارية في المفردات أيضاً، ..... لئلا يكون بمعزل عن البلاغة، وكيف يظن أن عطف الجمل التي هي أخبار المبتدأ، أو أحوال الصاحب، أو صفات المنعوت، وتركه مبنيات على أحوال دون ما في المفردات"([184]).
ولاشك أن الكلام على عطف الجمل لا يتضح إلاّ إذا كان ممهداً له بالحديث عن الفصل والوصل في المفردات، لأنه قد يكون من تيسير النظر إلى مسألة الوصل في الجمل وفصلها" إن تقارن علاقات الجمل بعضها ببعض بعلاقات الألفاظ المفردة بعضها ببعض، أعني الأسماء والأفعال"([185]). لذلك لابد: أن يعطى هذا الموضع حقّه في البحث.
من المعلوم أن العطف على نوعين، "عطف مفرد على مفرد، وعطف جملة على جملة"([186])، أما إذا ورد خلاف هذين النوعين فنستطيع أن نسميه العطف بين المفردات والجمل، ويتحدث عن ذلك وعن العطف بين الجمل في موضعهما بإذن الله.
يقصد بعطف المفرد على المفرد عطف الاسم على الاسم خبراً كان أو صفة أو غير ذلك، جاء في دلائل الإعجاز" أن فائدة العطف في المفرد أن يشرك الثاني في إعراب الأول، وأنه إذا أشركه في إعرابه فقد أشركه في حكم ذلك الإعراب"([187]).
لدى استشرافنا الكتب البلاغية تبّين لنا أن بهاء الدين السبكي(773هـ) كان أحسن من تعرض لبحث الفصل والوصل في المفردات، فقد أفرد لهذا الموضوع فصلاً في كتابه(عروس الأفراح) الذي شرح فيه(تلخيص) القزويني، ونظراً لأهمية كلامه فيه وهو عين ما أريد قوله، سأنقل الكثير منه، أما نصاً أو مضموناً مع بعض التصرّف، قال: " الأصل في المفرد فصله مما قبله، لأن ما قبله:
1. إما عامل فيه مثل: محمد قائم، فلا يعطف المعمول على عامله.
2. أو معمول، فلا يعطف العامل على معموله.
3. أو كلاهما معمول والفعل يطلبهما طلباً واحداً فلا يمكن عطفه لأنه يلزم قطع العامل عن الثاني، مثل: " علمت زيداً قائماً"([188]).
إذا اجتمع مفردان وكان من الممكن عطف أحدهما على الآخر لعدم وجود" مانع من جهة الصناعة النحوية"([189])، فإن كان بينهما جهة جامعة([190])، تم الوصل بينهما، وإلاّ كان الفصل هو الأصل(كما ذكرنا آنفاً).