أنت هنا

قراءة كتاب عمال البحر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عمال البحر

عمال البحر

يعيش بعض الناس في حياتهم غربة ما بعدها غربة، غربة تعزلهم عن العالم والناس لا لشيء، إلا لأنهم جاؤوا من المجهول، وسيبقون في المجهول، وسيعودون إلى المجهول، حيث لا إنسان سيعلم عنهم شيئاً، وليس لديهم إلا فرصة واحدة ستتهيأ لهم، لكنها كالسراب الذي لاح في صحراء قاح

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
1
 
كلمة مسطرة على صفحة بيضاء
 
كان مطلع العام 1802 مشهوداً في غارنسي؛ فقد تساقط الثلج في ذلك اليوم بغزارة، وبرد الشتاء كان قارساً في جزر المانش، والناس لا يزالون يذكرون هذا الحدث حتى اليوم؛ فالجليد غطى الجزر، وأتلف المزروعات والنباتات. أما الثلج فقد كانت له بهجة ما بعدها بهجة لكثافته في تلك السنة. وبدت الطريق الممتدة على طول البحر والتي تصل مرفأ سان بيار بالوادي القريب بيضاء ناصعة في صباح ذلك العيد. لقد سقط الثلج بغزارة دون انقطاع من منتصف الليل حتى الفجر.
 
وعند التاسعة لم يكن موعد ذهاب الأنكيليكان إلى كنيسة سانت سمسون والمرسلين إلى كنيسة إلداد قد حان، لذلك بدت الطريق شبه مهجورة أو خالية، فعلى امتداد الطريق التي تفصل بين المنعطف الأول والمنعطف الثاني لم تكن تشاهد غير ثلاثة أشخاص: رجل وامرأة وولد، وهؤلاء الثلاثة كانوا يسيرون بعضهم خلف بعض تفصلهم خطى قليلة، ومع ذلك لم تكن لديك القدرة على تمييز المسافة بينهم. توقف الولد البالغ من العمر ثماني سنوات، وأنشأ ينظر إلى الثلج بفضول زائد وسار الرجل خلف المرأة، ولكن الآن صارت المسافة التي تفصل بينهما واضحة؛ فهي تتجاوز المئة خطوة. إنه يذهب خلفها، ناحية سان سامسون.. كان شاباً، وسيماً، يشبه العامل أو البحّار على ما أظن، يرتدي ثياباً بسيطة، يلبسها كل يوم، مما يؤكد أنه رغم حلول العيد، إلا أنه لم يذهب إلى كنيسة قط.. وارتدت المرأة ثياباً جديدة، احتفالاً بالعيد، متبرجة بزينتها.. كانت تسير فرحة نشيطة مما يدل على أنها ما زالت فتية ولم تعبث الحياة بها بعد.. جميلة القوام معتدلة القامة.. بهية الطلعة..
 
تابع الرجل مسيره نحو الكنيسة ينظر أمامه، دون أن يلتفت إليها.
 
وفجأة، بقرب مجموعة من أشجار السنديان الكثيفة، قرب المكان الذي أطلق عليه اسم المنازل المنخفضة التفتت، وبحركتها هذه لفتت انتباه الرجل فوقف يتأملها. توقفت عن المسير ونظرت إليه ثم انحنت كأنها تكتب كلمة فوق الثلج، اعتدلت وعادت تتابع سيرها بسرعة ونظرت خلفها وضحكت هذه المرة، ثم اختفت في القسم الشمالي من الطريق، في الممر المحاط بالأشواك والمؤدي إلى قصر ليار.
 
لقد عرفها الرجل عندما التفتت.. أجل إنها دريشيت.. الفتاة الرائعة، ابنة البلد والعائلة ذائعة الصيت.
 
لم يكن في حاجة إلى أن يسرع وراءها. وما هي إلا لحظات قليلة حتى أدرك غابة السنديان، ولم يعد يفكر بالفتاة التي مرت أمامه ومن المعقول أنه لو هجم عليه وحش كاسر من الغابة أو كلب بحر لما شعر بوجودهما.. بل استمر ينظر إلى الأرض البيضاء.. خطوتان تركتا آثارهما فوق الصفحة البيضاء الناصعة، وإلى جانبهما قرأ هذه الكلمة التي خطّتها بإصبعها إنها اسمه: جيليات.
 
لقد كان هذا الشاب يدعى جيليات.
 
وقف مدة قصيرة ينظر إلى الاسم المكتوب أمامه ويتأمل الخطوتين.. وينظر إلى الثلج الناصع البياض.. ثم مضى في سبيله مطرقاً وقد امتلأ عقله تفكيراً في ما رأى.
 
* * *

الصفحات