أنت هنا

قراءة كتاب عمال البحر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عمال البحر

عمال البحر

يعيش بعض الناس في حياتهم غربة ما بعدها غربة، غربة تعزلهم عن العالم والناس لا لشيء، إلا لأنهم جاؤوا من المجهول، وسيبقون في المجهول، وسيعودون إلى المجهول، حيث لا إنسان سيعلم عنهم شيئاً، وليس لديهم إلا فرصة واحدة ستتهيأ لهم، لكنها كالسراب الذي لاح في صحراء قاح

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
4
 
بلا شعبية
 
سبق أن قلنا: إن جيليات لم يكن محبوباً في المحيط الذي يعيش فيه، وفي البلد الذي يقطنه ليس هناك سبب أكثر بساطة من هذا الكره. أما الأسباب الأخرى فعديدة: أولاً - كما سبق أن شرحنا - البيت الذي يعيش فيه. ثانياً، أصله. فمن كانت تلك المرأة ومن هو هذا الولد؟ إن سكان المدينة لا يودون أن يكون للأحاجي مكان في حياة الغرباء. ثم ثيابه؛ فقد كانت كثياب عامل، إذ كان بإمكانه، رغم فقره أن يبدلها، ويكسب عيشه ولو بقي مقعداً. ثم بستانه الذي يعتني به ويزرع فيه أنواعاً كثيرة من الخضراوات، كذلك الكتب الضخمة التي أمامه؛ فقد كان باستطاعته أن يقرأها.
 
وهنالك أسباب أخرى أيضاً.
 
فلماذا يعيش هكذا منعزلاً منفرداً؟ إذ إن الأهالي بدؤوا ينظرون إلى منزله كمحجر صحي هو مديره ومريضه في آنٍ واحد. ونسبوا إليه أيضاً أن كل ما يحيط بمنطقته من جمود وانعزال مرده إليه وهو مسببه الوحيد.
 
لم يذهب قط إلى الكنيسة. كان يقوم بنزهات طويلة في الليل فقط. ويتحدث إلى السحرة.. حتى إن بعضهم شاهده مستلقياً فوق الأعشاب بشكل غريب. يتردد إلى الحقل ويحاور الصخور الكثيرة المنتشرة في الحقل.
 
يعتقد أحدهم أنه رآه مرة يصافح الصخرة التي تغني. كان يشتري كل ما يأتونه به من عصافير ثم يطلق سراحها. كان يحترم الأشخاص البورجوازيين في شوارع سان سمسون ويتجنب أن يلتقي بهم ثانية. يصطاد دائماً ويعود وفي جعبته الكثير من السمك الطازج. يعمل في البستان كل يوم أحد دون انقطاع. كان يلعب على أورغون قديم الطراز اشتراه من بعض الجنود الإنكليز في أثناء مرورهم بغارنسي. يطيب له العزف بين الصخور على الشاطئ، مع هبوط الليل.
 
كان يقوم بحركات كذلك الفَرِحَ الذي يبذر قمحه.
 
كيف تريد من بلد أن ينطلق إلى العلا ورجاله من هذا الطراز؟
 
كانت الكتب التي ورثها عن والدته، والتي يمضي الساعات الطوال يقرأ فيها، تدعو للقلق والريبة أحياناً، لقد سبق لكاهن سان سمسون عندما دخل المنزل يجهز المرأة للدفن، أن وقع نظره على بعض هذه المؤلفات، منها: قاموس روزميه، وكانديد لفولتير، وتنبيه إلى الشعب حول صحته، لتيسو. قال أحد المهاجرين الفرنسيين، بعد أن استقر في سان سمسون: «من المحتمل أن يكون تيسو هو الذي أحبته الأميرة لامبال».
 
لماذا كان يقوم بتلك النزهات المسائية التي تمتد أحياناً حتى منتصف الليل، بين الهضاب؟ وعلى الشاطئ؟ طبعاً ليتحدث إلى الناس الأشرار الذين لا تحلو لهم النزهات مثله في الليل، وتحت الضباب الكثيف.
 
حدث له ذات مرة أن ساعد ساحرة تورتفال لتصبغ عربتها.
 
في الاستفتاء الذي أجرته المدينة حول وظيفة كل مواطن، أجاب جيليات عندما سئل:
 
- صياد، عندما يكون هناك سمك للصيد.
 
- تأدب، إننا لا نرغب في أسئلة كهذه.

الصفحات