أنت هنا

قراءة كتاب أصول العلاقات الدولية في الإسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصول العلاقات الدولية في الإسلام

أصول العلاقات الدولية في الإسلام

كتاب " أصول العلاقات الدولية في الإسلام " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا.

أما بعد،

لما كانت العلاقات الدولية قديما تقوم على تقاليد الشعوب وتراثها الثقافي والعرقي والاجتماعي، فقد تنوعت وتعددت أهدافها ووسائلها وأنماطها بتنوع مصالح وثقافات المجموعات البشرية، فكان لزاما البحث عن قواسم مشتركة لمبادئ أساسية تحكم العلاقات والقائمين بأمرها. وقد زاد الاهتمام بهذه العلاقات بعد تدعيمها من قبل الديانات المختلفة لا سيما الإسلام الذي وضع منهاجا وشرعية واضحين محددا العلاقات في جميع المستويات المتباينة؛ الدولية، والمجتمعية والجماعية والفردية، وفي المجالات كافة، السياسية والاقتصادية، والعسكرية والاجتماعية والثقافية، وغيرها في حالات الحرب والسلم. وكان الفقهاء المسلمون قد اهتموا كثيرا بوضع قواعد وأسس القانون الدولي الإسلامي العام، وكذلك قواعد تنظيم العلاقات بين الدول، وذلك من أجل وضع الأساس لحضارة إنسانية تشمل العالم بأسره. وذلك لأن الإسلام منهج حياة شامل وكامل وهو منظومة من الأحكام والتشريعات يجمعها عقد واحد، فهو نظام للفكر والعقيدة. وفي هذا السياق، لا بد من الحديث عن النقاط التالية:

أولا: يقصد بالأصول الفكرية والنظرية والعملية للعلاقات الدولية في الإسلام، تلك الينابيع التي استقاها الإسلام من الفكر العربي الإسلامي وبنى عليها كيانه. ولأن هذه الدراسة تهتم بدراسة الأصول الفكرية والنظرية والعملية للعلاقات الدولية في الإسلام، فإن التركيز سوف ينصب على دراسة الينابيع الرئيسية، مع عدم إغفال الينابيع الأخرى، (أو ما يسمى بالأصول الرئيسية والأصول الفرعية، كالقرآن الكريم والسنة النبوية كأصول رئيسة) والقياس والإجماع والاجتهاد والاستحسان وأقوال وسير الصحابة رضوان الله عليهم وأعمالهم وأراء الفقهاء والمفسرين المسلمين كأصول ثانوية.

ثانيا: على خلاف التشريعات الوضعية، فإن القاعدة القانونية في ظل الشريعة الإسلامية تعد جزءا من القواعد الدولية التي تشكل بمجموعها التشريع الإسلامي الذي يتمتع بالصفة الإلزامية الواجبة المراعاة للحصول على مرضاة الله سبحانه وتعالى وتجنب سخطه، وذلك على اعتبار أن الإسلام نظام شامل للكون والإنسان والحياة، يعتمد في وجود دولته على تطبيق الأحكام الإلهية التي تنظم حياة الفرد والجماعات على مستويات العقيدة والأخلاق والسياسة والتشريع والإدارة وممارسة السلطة والعلاقات المختلفة، وذلك لتحقيق السعادة والخيرية للإنسان في الدارين الأولى والآخرة.

ثالثا: عندما يقوم الإسلام بتأسيس دولته ذات الملامح الخاصة والمبنية على احترام حدود الله، فإنه ينشئ كيانا سياسيا وسط كيانات أخر ناشئة أو تنشأ، تقوم على أسس وأصول غير تلك التي يقوم عليها الإسلام؛ بمعنى وجود دول أخرى تجاور الدولة الإسلامية أو تتشابك معها في المصالح أو تتقاطع، وتكون لها علاقات مؤثرة ومتأثرة بالسلب أو بالإيجاب مع الكيان السياسي الإسلامي، مما يتطلب أن يكون لدولة الإسلام تصوراتها ومفاهيمها وأحكامها لتنظيم مثل هذه العلاقات. ولم يكن الإسلام ليغفل عن وضع قواعد وأحكام خاصة بها، وان كان بمقدار رسم الخطوط العامة التي يمكن للعقل الإسلامي أن يجتهد في ضوئها لاستنباط ما يلائم الزمان وما ينسجم مع المحيطات المؤثرة ضمن الحدود الإلهية المرسومة في أصول التشريع.

وهذه الأحكام التي تنظم العلاقات في السلم والحرب بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى من الأمور التي كانت توليها السلطة القائمة على رعاية شؤون المسلمين الأهمية المناسبة بما يضمن حياة دولة المسلمين واستقرارها واستمرارها، ومن ثم حياة وانتشار القيم التي تشتمل عليها رسالتهم السماوية التي يتوجب عليهم دينيا الدعوة إليها بمختلف الوسائل المتاحة، ليضعوا عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فيتحرروا من جميع العبوديات، ويرتبطوا بعبودية الخالق عز وجل، وهذه العبودية التي تخرجهم من الظلمات إلى النور.

رابعا: تقوم الدولة الإسلامية في علاقاتها الخارجية، كما هو الحال في سياستها الداخلية، على أساس بلوغ غايات وتحقيق مقاصد يضعها التشريع الإسلامي كأهداف يتحرك إليها المسلمون مدفوعين بالإخلاص لرسالة الله تعالى، ليتمكنوا من نشر دينهم إلى جميع الناس من شعوب وأقوام، وأن يصدوا العدوان عن أنفسهم وعن غيرهم من البشر.

ويعد الرسول ﷺ هو الذي أسس ووضع مرتكزات العلاقات الدولية الإسلامية، مستقيها من فيض ونبع القرآن الكريم، مضيفا إليها من هدي سنته المعتمدة على الوحي بأفعاله وأقواله ﷺ. فمنذ بدايات الإسلام الأولى، في شبه الجزيرة العربية، نشأت علاقات بين الرسول صلى عليه وسيلم والبلدان المجاورة، تحديدا بلاد الروم والفرس والحبشة، ومن خلالها إلى ما هو أبعد جغرافيا. وقد سار على دربه الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم جميعا، الذين استمرت خلافتهم ما يقارب الثلاثين عاما (من العام 11 هجري إلى العام الأربعين). وعلى الرغم من قصر هذه المدة، وذلك قياسا بالمدى التاريخي لحضارات الشعوب المختلفة، ولكنها تلألأت وحفلت بتأسيس قيم إنسانية عظيمة راسخة وخالدة، أوجدت الأصول وجذرت لهذه العلاقات وعلى شتى المستويات وفي جميع المجالات. فكانت العلاقات "الدبلوماسية" التي نشأت بين دولة المدينة الأولى وبين عدد من الولاة والملوك.

الصفحات