أنت هنا

قراءة كتاب القدس ملامح جيل يتشكل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القدس ملامح جيل يتشكل

القدس ملامح جيل يتشكل

كتاب " القدس ملامح جيل يتشكل " ، تأليف محمد عدنان سالم ، والذي صدر عن دار الفكر للطبا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 2

القدس : ملامح جيل يتشكل !!

(1)

عشية يوم جمعة من صيف عام 1966، اقترح أحد الأصدقاء، وكنا ثلةً نسمُر، أن نصلي الجمعة في المسجد الأقصى، فما هي إلا دقائق حتى عقدنا العزم على أن ننطلق فجراً..

ثلاث مئة كيل كانت تفصل القدس عن دمشق؛ قطعناها أثلاثاً؛ مئة إلى درعا، فمئة إلى عمان، فمئة ثالثة أوصلتنا إلى باحة الأقصى؛ لم تستغرق رحلتنا أكثر من أربع ساعات، متضمنة إجراءات الحدود.. لم تكن الحدود قد أدركتها التعقيدات والهواجس الأمنية بعد، وكان النسيجُ العربي الواحد، ما يزال السمةَ البارزة التي تطبع التصرفات كلها؛ لا فرق فيها بين رسميٍّ وأهليٍّ، ولا بين شعبي وحكوميٍّ، ولا بين سوري ولبناني وأردني..

وفي باحة الأقصى، بين المسجد وقبة الصخرة، تحلق السوريون جماعات، يتناولون فطورهم ويحتسون شايهم، بينما كانت مجموعات من اللبنانيين تقوم بأداء الدبكة على وقع (الدربكات).. يقضون سويعات الضحى بانتظار أذان الظهر وصلاة الجمعة.. كل شيءٍ حولنا كان عربياً لا أثر فيه ليهود..

وتساءلت: ترى لو تاقت نفس ولدي وأصدقائه إلى شد الرحال إلى الأقصى؛ أولى القبلتين وثاني المساجد التي لا تشد الرحال لغيرها، فمتى يمكن أن تتحقق أمنيتهم؟!

فكرة قفزت إلى ذاكرتي، وأنا أشاهد على التلفاز أهلنا في حي البستان في القدس؛ يطردون من بيوتهم لتتولى الجرافات هدمها، ضمن مسلسل إجراءات تهويد القدس، وتغيير النسيج السكاني والديموغرافي فيها.. يجري ذلك على مرأى ومسمع من العالم العربي والإسلامي والدولي كله.. تنبري له أصوات استنكار خافتة خجول؛ لا تردُّ أسرةً مطرودة من مسكنها إلى العراء، ولا توقف جرافةً عن هدمها، وتمضي إسرائيل في قضم القدس حياً بعد آخر، وسط عجز عربي وإسلامي مُخز، وصمت دوليٍّ مبارِك ومشجِّع.. تحاصر الأقصى على سطح الأرض؛ ولا تتورع عن إضرام النار فيه، ثم تحفر تحته؛ تروم هدمه وإزالة معالمه لبناء الهيكل على أنقاضه، وفي الطريق إلى تحقيق مأربها ما فتئت تصعِّد القيود على المصلين، تختلق لها مختلف الذرائع.

فكرة أخرى قفزت إلى ذهني استدعاءً من التاريخ؛ رأيت الخليفة عمر فيها بعدما أعطى العهدة العمرية لأهل القدس، وقد حضرته الصلاة، ينظف أرضاً للقمامة ليصلي فيها، يرفض أن يصلي في الكنيسة؛ مخافة أن يُتخذ ذلك ذريعة لتحويل الكنيسة إلى مسجد.

ثم تداعت الخاطرات والتساؤلات..

1- هل ستظل القدس ميدان الصراع الأبدي بين حضارة القيم وحضارة المصالح والتعصب الديني؟!

لقد كان عمر- يوم دخل القدس؛ محرراً لها من تسلط المحتلين الرومان- يمثل حضارة في عنفوان شبابها ومدها الصاعد، وكانت جيوشه تجوب الآفاق نحو الشرق والغرب؛ وكان بإمكانه أن يجوس خلال الديار كما يفعل الفاتحون؛ ما الذي دفعه ليحترم كنائسهم وصلبانهم وعقائدهم؟ وهل كان يُدرك أنه بوثيقة الصلح (العهدة العمرية) إنما يرسي نظاماً أبدياً؛ نموذجه القدس، تتعايش فيه الأديان، ويعيش فيه الغالب مع المغلوب جنباً إلى جنب، في ظل نظام تعددي يحترم الآخر المختلف ويتساوى فيه الجميع أمام القانون، وتسود فيه العدالة والأخوة الإنسانية، فلا يتفاضل الناس فيه إلا بالتقوى والعمل الصالح؟!

لم تَسْلم القدس لنهج عمر المتسامح، فقد كانت هدفاً لحملات أطلق المؤرخون الغربيون عليها عنوان الحروب الصليبية، وأطلق مؤرخونا العرب المسلمون عليها اسم حروب الفرنجة كراهية منهم لإقحام البعد الديني في هوية الصراع، ورداً له إلى أبعاده الاستعمارية الاستغلالية الغربية الحاقدة.. استمرت حروب الفرنجة سجالاً قرابة مئتي عامٍ، إلى أن استأصل جيل صلاح الدين شأفتها، وردها على أعقابها، ضارباً أروع الـمُثل التي تنطوي عليها حضارته؛ حضارة القيم؛ «.. وبعد أن فتح الله عليه بالنصر والظفر، جلس السلطان صلاح الدين الأيوبي، في دهليز الخيمة، فإنها لم تكن قد نصبت، والناس يتقربون إليه بالأسرى، ثم استحضر الملك جفري وأخاه والبرنس أرناط، وناول الملك شربةً من جلاّب بثلج، فشرب منها، وكان على أشد حال من العطش، وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره صار آمناً، فقصد السلطان بذلك الجري على مكارم الأخلاق» . (2)

2- هل العدوان الصهيوني الجديد على فلسطين، المدعوم كلياً من الغرب إلا صورة جديدة من حروب الفرنجة (الصليبيين)؟!

بل هو الأعتى والأكثر وحشية وخبثاً ودهاءً، فلئن لم يدخل الغرب المعركة بجيوشه وحملاته الصريحة، لقد أوكل بها عصاباتٍ من الصهاينة، يسَّر لهم التسلل إليها لواذاً، وأزجى وعوده لهم منذ بلفور، واختلق لهم الذرائع المضلِّلة تحت وهم أرض الميعاد، وزوّدهم بكل أدوات القتل والتدمير، وأطلق أيديهم في ارتكاب أبشع جرائم الإبادة الجماعية والمذابح الوحشية، بدءاً بدير ياسين وكفر قاسم، ليحمل أهلها على هجر بيوتهم فراراً بأطفالهم ونسائهم من الذبح؛ فيتحول أهل الأرض إلى لاجئين في المخيمات، ويتحول شذاذ الآفاق وعصابات الإجرام إلى أصحاب حق أطلقوا عليه عنوان ( حق إسرائيل في الوجود )، وراحوا يروِّجون له ويرددونه حتى انطلقت به ألسنةٌ من بني جلدتنا. ولعمري إنها لأكبر أكذوبة في التاريخ؛ لصٌّ يسطو على منـزل؛ يقتل من أهله من يقتل ويطرد من يطرد، ثم يذهب إلى محكمة الشيطان مصطحباً معه من شهود الزور من يشهد له بأنه واضع اليد على المنـزل، ويطلب منحه شهادة الملكية استناداً إلى وضع اليد الغاصبة.. الشيطان ذاته يعرف يقيناً بطلان الدعوى، فهل يقتنع المالك المطرود بصحتها إلا أن يكون مغفلاً معتوهاً أو صنيعة للشيطان؟!

عجائز اللاجئين مازلن يحتفظن بمفاتيح بيوتهن ينتظرن أجيال نور الدين وصلاح الدين يعيدونهن إليها!!

الصفحات