كتاب " الأساطير المؤسسة للتاريخ الإسرءيلي القديم " ، تأليف هشام أبو حاكمة ، والذي صدر عن دار الجليل للنشر وال
قراءة كتاب الأساطير المؤسسة للتاريخ الإسرءيلي القديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن قصص العهد القديم ومقارنتها بالتاريخ ، إذ أن هذا الموضوع يتطلب دراسات طويلة ، وعقد مقارنات تتطلب جهدا كبيرا . ولكننا نأخذ مثالا على ذلك بعضا من قصص العهد القديم ، ونرى كيف يعالجها ، ونتناول أبعادها دون تفصيل ، ومدى علاقتها بالأسطورة أو التاريخ ، لنستخلص من ذلك أن قصص العهد القديم هي أقرب إلى الأساطير منها إلى التاريخ ، وليس ذلك بعيدا لأن هذه القصص كتبت تاريخا من وجهة نظر دينية . هذا بالإضافة إلى وجود كثير من المتناقضات بين قصص العهد القديم ، ويرجع سبب ذلك وجود مصادر مختلفة استخدمت في تأليف النص . وكذلك التعديلات التي أدخلت على نصوص العهد القديم لاحقا ، ثم اعتبرت كنصوص أصلية فيما بعد .
القصة الأولى هي قصة الطوفان . وقد وردت في الإصحاحات 6 ، 7 ، 8 من سفر التكوين . وهناك للطوفان في العهد القديم روايتان . وبالرجوع إلى هذه النصوص نجد فيها اختلافات جذرية قد تؤثر على موضوع القصة من أساسه . مثل الاختلاف في من ركب السفينة ، وماء الطوفان ، هل هو ماء المطر ، أم ماء الينابيع ؟ أم الاثنين معا ؟ وللطوفان أيضا مدتان : أحدهما أربعون يوما ، والأخرى مائة وخمسون يوما ، وغيرها .
ولا شك في أن اختلاف الموضوع يعود إلى المصدر الذي نقل عنه النص ، حيث يوجد لذلك روايتان : الرواية اليهوية ، والتي ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد . والرواية الكهنوتية ، والتي ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد .
وإذا كان هذا من حيث الرواية ، فإن ما جاء في هذه الأسطورة بشكلها الحالي يتعارض مع المعارف العلمية الحديثة . ونحن وإن كنا لا نشك في حصول الطوفان ، لكنه بالتأكيد لم يكن كما جاءت روايته في العهد القديم ، تلك الرواية الدينية لا التاريخية .
والقصة الثانية ، هي قصة مصارعة يعقوب عليه السلام ، لله تعالى ، والواردة في العهد القديم ، ( سفر التكوين 35 : 9 – 15 ) . وقليل من العقل والتفكير لدى أي إنسان عاقل ، يتوصل إلى أن هذه القصة الخيالية لا يمكن أن تحصل بأي شكل مـن الأشكال ، وهي مشابهة للأساطير الإغريقية التي كانت منتشرة حين كتابة العهد القديم ، وكيف يعقل أن يقوم إنسان بمصارعة الإله فيصرعه ؟ إلا أن تكون من ذلك القبيل .
والقصة الثالثة ، وهي قصة يكفي أن تقرأها مرة واحدة حتى تعرف أنها أسطورة تهدف إلى تهويل وتعظيم الأمور ، من أجل تحقيق هدف ما . هذه القصة هي قصة الجواسيس المذكورة في سفر العدد ( الإصحاح 13، 14 ) . حيث تتحدث هذه القصة الأسطورة عن ما شاهده هؤلاء الجواسيس في أرض كنعان ، ففي وادي أشكول " وقطعوا من هناك زرجونة بعنقود واحد من العنب وحمله بالدّقرانة بين اثنين مع شيء من الرمان والتين . " العدد 13 : 23 . أما سكانها " وجميع الشعب الذي رأينا فيها أناس طوال القامة . وقد رأينا هناك الجبابرة من بني عناق من الجبابرة . " العدد 13 : 32 ، 33 . هذه الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، هي أرض أيضا تأكل سكانها . ولا شك في أن عدم المصداقية في هذا الوصف ، يجعل القصة تخرج من إطار التاريخ إلى إطـار الأسطورة . قد يكون الجواسيس ذهبوا إلى أرض كنعان حقا ، ولكن من المستبعد أن يكون ما شاهدوه هو الذي قالوه ، إنما هي إرادة كتبة العهد القديم ، وذلك من أجل تبرير عدم الدخول إلى كنعان في حينه ، خوفا منهم ، وتهيئة لما سيحصل فيما بعد .
وكذلك قصة اللاوي الذي حل ضيفا مع أمته على رجل من سبط بنيامين ، فتجمع سبعمائة رجل على باب ذلك الرجل ، واختطفوا الأمة ، وظلوا يزنون بها حتى الصباح ، فماتت من كثرة الاغتصاب ، فقطعها اللاوي إلى اثنتا عشرة قطعة ، ووزعها على أسباط بني إسرءيل .
إن هذه القصص وغيرها ، والتي يتناقلها مؤيدو العهد القديم على أنها تاريخ ، وفي الواقع أنها ليست روايات لماض تاريخي ، بل هي تراث يهدف إلى معان أدبية وأخلاقية ، والتاريخ في واقعه لا يعالج مشاكل أدبية وأخلاقية ، ومعنوية ، بل يهتـم بالواقع وما يطرأ عليه ، ويقوم بسرد الحقائق كما وجدت في حينه . فـي حين أن الأسطورة أو القصة الخرافية تفرض على الواقع تغييرات حتى تتناسب مع الهدف الأخلاقي النهائي لها .
ونحن باستخدامنا هذه الأساطير والقصص الخرافية العديدة في العهد القديم ، عند كتابة تاريخ قديم لبني إسرءيل والمنطقة ، يظهر لنا انعدام الترابط التاريخي بين هذه الأساطير ، وبين التاريخ الواقعي .
وإذا ما حاولنا إيجاد رابط مشترك بينهما ، فإننا نصطدم بالمشكـوك فيـه ، واللامعقول والمستحيل أحيانا من جانب مرويات العهد القديم ، وذلك لعدة أسباب ، منها :
1- أن الكتاب قد كتب من قبل عدة أشخاص ، ثم جمعت هذه الكتابات في كتاب واحد ، وقد ضمّن كل كاتب وجهة نظره فيما كتب .
2- خضوع الكتاب في مراحله على مر الزمن لعدة إضافات وتغييرات والتي قد تتعارض أحيانا مع ما تم تثبيته من قبل ، ومع التاريخ الواقعي أحيانا .
3- إرضاء الإله يهوه في كثير من الروايات التوراتية ، وبالتالي فإن نسق الكتابة لا بد وأن يكون مناسبا لطريقة الإرضاء ، وهدفه .
4- إخفاء كثير من الحقائق والتي قد تتعارض مع تاريخ بني إسرءيل القديم ، وتضخيم بعض الأحداث لكسب عطف وتأييد أصحاب اتخاذ القرار في زمن وقوع الأحداث ، أو كتابتها .