أنت هنا

قراءة كتاب ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

يشدد الشاعر الفلسطيني زكريا محمد في كتابه "ذات النحيين..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
تقديــم
 
أمثال العرب القادمة إلينا من الجاهلية هي موضوع هذا الكتاب. أما الاستخلاص المركزي الذي يصل إليه فهو أن الكثير من هذه الأمثال ذو أصل ديني، أو ذو صلة دينية. بل لعله يمكن، وبقليل من الجرأة، القول أن الجزء الأهم من الأمثال الجاهلية هو متحجرات أسطورية وطقسية، وأنه لا يمكن فهمها إلا على هذا الأساس.
 
هذا الاستخلاص قد يدفع إلى افتراض أن المثل عموما ربما كان في الأصل ابنا للأسطورة والطقس. أي أنه نشأ في حضنهما ثم انفصل عنهما لاحقا، ودار في الأسواق، ثم نسي مع الزمن أصله، وتظاهر كأدب زمني خالص. هذا يعني أن الحياة الدينية ربما هي من خلق المثل في بدئه، لا الحياة الزمنية الواقعية، وأن الكاهن في خيمته أو معبده ربما كان قابلة المثل الأولى، لا رجل السوق أو الاجتماع القبلي. من أجل هذا تبدو أمثال كثيرة جدا من تلك التي جاءت من الجاهلية من حيث بنيتها وإيقاعها شبيه بأقوال الكهنة وسجعهم لا بأقوال الناس العاديين. بناء على هذه الفرضية، فإن المثل في بدئه لم يولد، ربما، كمثل بل كجملة طقسية أو كمنطوقة دينية، ثم تحول في ما بعد إلى مثل.
 
بالطبع، ندرك أن هذا الاستخلاص يصطدم مباشرة بالحكمة السائدة، التي تدعي أن المثل الجاهلي بلا صلة دينية تقريبا، أو ان صلته الدينية واهية. يقول أحد الكتاب المعاصرين: (أول ما يسترعي الانتباه هو قلة الأمثال التي تتحدث عن الديانات غير السماوية {= الوثنية الجاهلية}. فليس في نص الأمثال دلالة يقينية على هذا الأمر إلا في مثلين هما: «لقد ذل من بالت عليه ثعالب» و «أحسن من الدمية ومن الزون». أما الأمثال الأخرى التي تشير في قصصها إلى تلك الدلالة، أو التي يجعلها سياق الكلام فيها نستشفها، فعددها لا يتجاوز الثلاثة عشر مثلا. ونحن هنا أمام احتمالين: إما أن الرواة قد حذفوا هذه الأمثل التي تنم عن دلالة مماثلة... وإما... أن هذه الأمثال في حقيقة أمرها قليلة كما وصلتنا. وقلتها تعطي انطباعا عن ضعف التدين عند الجاهلي، وعدم اكتراثه لأمور الدين... فهو يؤمن بملكوت الرغيف أكثر من إيمانه بأي شيء آخر)(1).
 
وهكذا، يُزعم أن الأمثال التي تتحدث عن أديان الجاهلية لا تزيد في أفضل الحالات إلا قليلا عن عدد أصابع الكفين. وكتابنا هذا يذهب في مواجهة هذا التقدير مباشرة، زاعما العكس تماما، أي أن كثرة من الأمثال الجاهلية ذات دلالة دينية. كما أنه يثبت، وبالملموس، أن مملكة الإيمان الديني لم تكن عند الجاهلي بأقل أهمية من مملكة الخبز، وأن الرواة لم يحذفوا الأمثال التي تعكس أديان الجاهلية الوثنية، بل ملأوا بها كتبهم. فكل أمثال قصة جذيمة الأبرش والزباء، مثلا، هي أمثال دينية، وكل أمثال قصة لقمان ولقيم وابني تقن، هي أمثال دينية. بل إن الأمثال العنقودية طرّا، أي الأمثال التي تنبثق بالتتالي من قصة واحدة، هي أمثال دينية بلا ريب، وقس على ذلك. أما عدم رؤية الصلة الدينية للأمثال الجاهلية، فنابع من عدم قدرتنا على إزاحة القشة التي تغطي الطابع الديني للمثل، لا من خطأ الرواة القدماء، أو من مادية الجاهلي.

الصفحات