أنت هنا

قراءة كتاب الحكمة العطائية شرح و تحليل - المجلد الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحكمة العطائية شرح و تحليل  - المجلد الأول

الحكمة العطائية شرح و تحليل - المجلد الأول

كتاب " الحكمة العطائية شرح و تحليل  - المجلد الأول " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدرعن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

الإحسان وموقعه من الإسلام والإيمان:

ولرسول الله علية الصلاة والسلام كلام عن الإحسان وأهميته والتعريف به في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب، يقول فيه جواباً عن سؤال جبريل له: « الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ».

فهل سَاءَل أحدنا نفسه عن وجه الحاجة إلى الإحسان، بعد أن وضعنا رسول الله علية الصلاة والسلام أمام حقيقة كل من الإيمان والإسلام؟

وهل تساءلنا عن موقع الإحسان وعن وظيفته بعد وجود كل من الإسلام والإيمان؟

إن سيرة رسول الله علية الصلاة والسلام وسيرة أصحابه البررة الكرام، يبرز كل منهما وجه الحاجة إلى الإحسان، ويبرز الموقع الذي يشغله الإحسان بين قطبي كل من الإسلام والإيمان، لا سيما لدى المقارنة بين حياة رسول الله علية الصلاة والسلام وحياة أصحابه من جانب، وحياتنا نحن المسلمين والمؤمنين أيضاً من جانب آخر.

من المعلوم أن أركان الإيمان إنما تغرس يقيناً في تربة العقل، في حين أن أركان الإسلام سلوك يصطبغ به الكيان والأعضاء.

ولكن فما هو السلك الذي ينقل شحنة اليقين العقلي قوة دافعة إلى الأعضاء والكيان الجسدي؟..

لعلك تقول: لا حاجة إلى هذا السلك؛ فيقين العقل بأمر ما، يكفي وحده حافزاً إلى السلوك المناسب له.

غير أن هذا التصور باطل من الناحية العلمية، وهو باطل على صعيد الواقع الدائم المرئي!!..

كثيرون هم الذين آمنت عقولهم بالله، ولكن سلوكهم ناقض مقتضيات هذا الإيمان وخاصمه.. جمع كبير من هؤلاء كانوا على عهد رسول الله علية الصلاة والسلام، وجموع أكثر من هؤلاء أنفسهم، يملؤون اليوم رحب العالم، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 27/14] .

والسبب العلمي في ذلك أن العقل ليس هو الحافز الوحيد في كيان الإنسان إلى السلوك، بل يزاحم العقلَ وينافسه في ذلك العصبياتُ والأهواء والأغراض، والعواطف بأنواعها، لا سيما «الدافعة»[2] وإذا لم يمتدّ بين العقل وكيان الإنسان هذا السلك الذي نتحدث عنه، فإن العقل لا بدّ أن يصبح هو المغلوب والمهزوم في هذا العراك. وعندئذ يصبح زمام السلوك بيد هذه العوامل الأخرى المتمثلة في العصبية والأغراض والأهواء ورياح العواطف المضادّة.

وانظر إلى واقع أكثر الناس، تجده مصداقاً لما أقول.

إذن، فلكي يمتدّ شريان (الإحسان) في عبادات المسلم وقرباته، بحيث يعبد الله كأنه يراه، لا بدّ أن يسري من العقل الذي آمن إلى الأعضاء التي استسلمت وأسلمت، سِلْكٌ من التأثير والفاعلية، بحيث يغدو المسلم يقظاً لحقائق إيمانه متفاعلاً بشعوره معها أثناء النهوض بطاعاته وعباداته.

فما هو هذا السلك؟ ومن أي شيء يتكون؟

إنه الإكثار من ذكر الله وتذكره، والإكثار من مراقبة الله والتنبه الدائم إلى مراقبة الله للعبد.. وخير سبيل إلى هذا التذكر الدائم، والوقوف المستمر تحت مظلة المراقبة الإلهية، ربط النعم بالمنعم، بحيث كلما وفدت إليه نعمة تذكر الإله الذي تفضل بها عليه، وهيهات لسلسلة النعم الإلهية أن تنقطع في لحظة من اللحظات عن العبد؛ إن هذا الإنسان الكريم على الله عز وجل، محاط من الأرض التي يعيش فوقها بآلاف النعم، ومستظل من السماء التي تعلوه بآلاف النعم، ومحشوّ من فرقه إلى قدمه بآلاف النعم، هذا كله بالإضافة إلى النعم الوافدة المتجددة التي لا حصر لأنواعها فضلاً عن عدّها وإحصائها.

فإذا عوّد العبد نفسه وأيقظ ذاكرته لتذكر الإله المنعم المتفضل، كلما أقبلت إليه نعمة منها، أو كلما تعامل مع واحدة منها، واستمر على هذا المنوال، اهتاجت بين جوانحه محبة عارمة لإلهه المنعم المتفضل، إذ إن النفوس مجبولة على حبّ من قد أحسن إليها. وكلما ازداد هذا العبد المغمور بنعم الله ذكراً وتذكراً لربه ازدادت محبته له رسوخاً وازداد تعظيماً ومهابة له.

الصفحات