كتاب " العلمانية والحداثة والعولمة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب العلمانية والحداثة والعولمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة
ثلاث سنوات كانت رحلة هذه السلسلة حتى اكتمالها، أتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية التأخير بسبب عملي خارج مصر، واقتصار اجتماعاتنا المحورية على فترات زيارتي للقاهرة. ولم يكن الدكتور عبد الوهاب المسيري متعجلاً عليها في البداية، فكعادته كان يعمل على عدد من الكتب يريد الانتهاء منها أولاً، ولكن بعد أن أخذت السلسلة شكلها النهائي اشتد إلحاحه على إصدارها، وأخذ يشير إليها في معظم لقاءاته، وحدد أيلول/سبتمبر ألفين وثمانية موعداً زمنياً أقصى لصدورها، وجاء أيلول/سبتمبر ولم تأخذ طريقها للمطبعة. وتجمد الورق بين أيدينا مع غياب صاحبه عن متابعة التفاصيل، ولكن بقي كلام الدكتور المسيري قبل رحيله فيما يتعلق بالحوارات يلح علينا لننجز ما أراد أن يراه بين دفتي سجل في وقت يقترب مما كان مخططاً له.
فالمسيري كان شغوفاً بتقديم مسيرته الحياتية والفكرية ورؤاه لأكبر عدد من الناس من غير المتخصصين أو المهتمين، وكانت إحدى أهم رسالاته توسيع قاعدة المعرفة؛ لأنها اللبنة الأساسية لتوسيع قاعدة المشاركة. وجاء أسلوب الحوارات، الذي بُني على صيغة السؤال والجواب يمثل صورة مثلى لسعي الدكتور المسيري الدائم إلى تبسيط القضايا مما يساعد على سهولة انتشارها ووصولها إلى القاعدة العريضة من القراء.
وهذا العمل يبلور شخصية الدكتور عبد الوهاب المسيري الموسوعية المتعددة الاهتمامات من فكر ومعرفة إلى تاريخ وفلسفة مروراً بالثقافة والفن والسياسة. فمع غزارة إنتاج المسيري ظل اسمه مرتبطاً بموضوعات اليهود واليهودية والصهيونية والغرب وما يطرحه من إشكاليات. ويجهل غالبية الناس ما للمسيري من إسهامات فكرية وفلسفية في حقول أخرى متنوعة، يأتي على رأسها مجال تخصصه الأساس الأدب الإنجليزي، وكذا قصص الأطفال وكتابة الشعر، وهذا ما تحاول هذه السلسلة إلقاء الضوء عليه من خلال عرض الجوانب الحياتية والفكرية بشكل شامل بعد أن سبق عرضها عبر مؤلفات متخصصة تصب اهتمامها على قضايا بعينها.
كما أن هذه السلسلة فرصة لطرح آراء المسيري في قضايا لم يصدر فيها مؤلفات، وقد لا تكون محل اهتمام كبير في اللقاءات الإعلامية على أهميتها وقيمة ما يطرحه فيها المسيري من آراء، كالحب والفن والأغاني والقضايا السياسية ومشكلات الأحزاب وغيرها. وتنبع أهمية رأي المسيري في هذه القضايا من زاوية نظره وقراءته لها، حيث يضع كلاً منها في سياق خاص وآخر عام فيشكل منها نموذجاً، أو يضعها هي داخل نموذج تفسيري. فهو يسقط رؤيته الكلية على الأحداث التي قد تبدو مجرد تفاصيل عابرة أو سطحية، ولكن بعد إخضاعها للنظرة المتفحصة نجد أنها جزءٌ من منظومة يريد من يقف خلفها ويتبناها أن تسود، ونحن بدورنا نقف أمامها إما مقلدين عن غير وعي أو ناقلين منبهرين. ويحاول المسيري بمنهجه أن يدفع كلاً منا ليفكر قليلاً قبل أن يختار، ولو البسيط من الأمور أو السلوك أو الآراء، ليعرف أولاً ما هو النموذج الكامن وراء ما يفعل، وما هو النموذج الذي يجب أن يتبناه ويستبطنه.
وتضم هذه السلسلة في ثناياها عرضاً لأهم محطات المسيري الحياتية والفكرية، وإنجازه الموسوعي اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد ، والظروف التي أحاطت بالعمل، والصعوبات التي واجهها، وردود الفعل والانتقادات التي وُجِّهت له، وكيف استقبل العامة والخاصة هذا العمل الذي استثمر فيه جهداً لما يزيد على ربع قرن من عمره، وكذلك اجتهاده المميز وغير المسبوق في الاهتمام بقضيتين مصيريتين بحكم تحديات الواقع المُعاش الآن وهما المجاز والعلمانية. كما تضم عرضاً لآرائه في واقع حال مصر والأمة العربية والإسلامية، وكذا رؤيته لحال الفكر والثقافة والمثقفين العرب، إلى جانب نظرياته المتعلقة بالزواج وتجربته الشخصية التي استمرت ما يقرب من خمسين عاماً ولم تفقد حيويتها. مع ذلك لا يمكن القول إن هذه السلسلة تختصر المسيري فكراً ومسيرة، إذ لم تصل لمستوى حصاد حياته ولم يكن هذا هو الهدف منها في الأساس، ويمكن وضع هذا العمل في إطار التقديم والتعريف بتجربة ثرية كمسيرة عبد الوهاب المسيري، فهو يعرض بكثير من التفصيل الملامح العامة لهذا الموسوعي متعدد الاهتمامات.