كتاب " دور الدين في المجتمع " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب دور الدين في المجتمع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
ثانياً - الوظائف السلبية
أ- على مستوى الفرد
1- تتسبب بعض المشاعر الدينية في أن يطور الفرد درجة عالية من الرضا عن وضعه وحالته. إذا كان فقيراً مثلاً من حيث الدخل أو المعرفة فقد يغالي في ترديد عبارة (هذا ما قسمه ربي لي) بحيث تنحصر درجة طموحه في مستوى متدن، ويتقاعس عن الاجتهاد وبذل الجهد لتغيير حالته، ومن هنا جاءت مقولة (الدين أفيون الشعوب)؛ فكأن الدين يعمل مخدراً ليبقى الفرد في حالة استرخاء دائمة.
2- التشبث بقوة ببعض الأفكار الدينية يقود إلى تكاسل الفرد وارتفاع درجة إهماله متطلبات الحياة الدنيا؛ فمثلاً التشبث بفكرة أن الآخرة هي دار القرار وهي الهدف الأسمى، وأن الدنيا فانية وزائلة وغير مفيدة، قد يقود إلى حالة من الزهد في الدنيا، تصل في بعض الأحيان إلى ترك العمل والمثابرة، والاكتفاء بالمحافظة على تأدية الطقوس الدينية والتماهي معها.
ب- على مستوى المجتمع
1- المجتمعات التي تركن نسبة من أفرادها إلى الكسل والزهد في الحياة مجتمعات لا تتقدم، ومهددة باستمرار التخلف وانتشار الفقر؛ فبدلاً من أن يشارك الجميع في عملية الإنتاج تقوم بها نسبة وتعيش البقية عالة على المجتمع. مثل هذه المجتمعات لن تقوى على الاستمرار في وحدة مستقلة وتقع فريسة سهلة لسيطرة الآخر.
2- إذا انتشرت ثقافة تغييب العقل والكسل والاسترخاء والرضا بالأمر الواقع فإن ذلك يحرم المجتمع من جميع أشكال الحركات الاجتماعية والانتفاضات، التي لها دور مهم للتغيير وللتطور والتقدم.
3- أدت حالات تقديس النص الديني والنظر إليه على أنه الحقيقة الوحيدة خلال حقب زمنية إلى الوقوف في وجه التقدم المعرفي والعلمي. ومن المفيد التنبيه إلى أن العيب ليس في النصوص الدينية نفسها، لكن في الكيفية التي فسر بها رجال الدين هذه النصوص، ثم تمكنهم من فرض تفسيراتهم؛ لما تمتعوا به من مكانة اجتماعية عالية، ومقدرة على تخويف بقية أفراد المجتمع من مغبة عصيان أوامرهم. ويزخر التاريخ بالحالات التي عانى فيها مفكرون وباحثون حاولوا إعمال العقل في البحث عن الحقيقة خارج محيط الدين. والغريب أنه حتى في حالة الدين الذي يحض تابعيه على البحث وطلب العلم في أي مكان ومن أي مصدر، أدت حالة التدهور الثقافي إلى سيادة ثقافة الذهنية الخرافية.
4- مجتمعات الوقت الحاضر - من حيث التركيبات الفئوية - أنواع؛ بعضها يمكن أن يصنف على أنه مجتمعات متجانسة والبعض الآخر على أنه مجتمعات متعددة الخلفيات. وهذه الخلفيات أنواع، منها الإثنية واللغوية والثقافية والدينية وهكذا. وفي هذا النوع من المجتمعات، الذي بدأ يتكاثر عدداً في العصور الأخيرة، قد يقود الولاء الديني القوي إلى التفكك والتشرذم، وحتى إلى الحروب الأهلية، كما قد يؤدي الانقسام داخل الدين الواحد إلى مذاهب إلى النتيجة المشار إليها آنفاً إذا ما قوي شعور الانتماء والولاء الطائفي بحيث يتجاوز بقية الانتماءات والولاءات. ساهم مثل هذا الوضع في ظهور حالات التطرف الديني في أكثر من دين، وفي أكثر من مجتمع، وخلال أكثر من حقبة تاريخية.
لابد من التأكيد على أن مجتمعات كثيرة عرفت ظهور جماعات وجمعيات وحركات ثم أحزاب اتخذت أسماء ذات صبغة دينية. لم يقتصر مثل هذه التنظيمات على دين دون آخر، ولا على فترة دون أخرى، لكن عندما يأتي الحديث خلال العقود الأخيرة عن هذه التنظيمات تلصق بالدين الإسلامي. لكن، لو سلطنا الضوء على الحقبة الزمنية التي تجمع بين القرنين التاسع عشر والعشرين فقط لتبين أن هذه ظهرت في مختلف الأديان، وخصوصاً الأديان الرئيسة اليهودية والمسيحية والإسلام.
نشطت خلال هذه المدة جماعات في داخل الدين المسيحي بتياريه الرئيسيين الكاثوليكي والبروتستانتي والتفريعات الأخرى اتخذت تسميات دينية. تأسست بعض هذه الجماعات في داخل المؤسسات التعليمية وفي الأحياء السكنية، ثم تمأسس بعضها فيما بعد على شكل جمعيات اكتسبت صبغة رسمية من حيث اتباعها لسلسلة من الإجراءات تبدأ بتقديم الطلب للسلطات الرسمية بأخذ الإذن بالتسمية، ومزاولة النشاط بشكل رسمي، إلى تأسيس مركز ثم فروع ثم برامج تتضمن أنشطة محددة، وقد شملت إجراءات المأسسة تكوين أحزاب.
وقع جانب كبير من البلاد التي انتشر فيها الإسلام خلال هذه الحقبة الزمنية التي حددناها تحت الاستعمار الأوربي عندما تقاسمت ثمان دول أوربية أغلبية بلدان العالم. قلد أعضاء هذه المجتمعات المستعمرة المستعمرين في أثناء الاستعمار وبعد زوال الاستعمار في كثير من الأشياء، من بينها ما يتصل بالملبس والمأكل وأسلوب الحياة، ومنها ما يتصل بالتنظيمات والمؤسسات بمختلف أنواعها؛ من اجتماعية وسياسية واقتصادية وترفيهية وغيرها، لذلك ظهرت في بعض البلاد التي فيها الدين الإسلامي دين الأغلبية جمعيات الشبان المسلمين وجمعيات الشابات المسلمات وكذلك الأحزاب الإسلامية.
حصلت البلاد التي بها الإسلام دين الأغلبية، أو دين الجميع على استقلالها السياسي، ويمكن القول إن أغلبيتها استقلت خلال النصف الثاني من القرن العشرين. عرفت معظم هذه المجتمعات خلال مرحلة الاستعمار ظهور الجماعات والحركات التي اتخذت أسماء ذات دلالات دينية، وقد دخلت مع غيرها من مؤسسات المجتمع الأهلي أو المدني في صراع ضد الاستعمار بهدف الحصول على الاستقلال. لم تدخل هذه التنظيمات خلال النضال من أجل الاستقلال في صراعات داخلية، لكن بمجرد خروج المستعمر طفت الخلافات الفكرية بينها على السطح، ودخلت في صراعات بعضها خفيف والبعض الآخر قوي ومدمر.
نجح المستعمر الأوربي في غرس كثير من قيمه بين أبناء البلد الذي استعمره، وخصوصاً ما يتعلق بسلوك الاستهلاك، وما يتصل بأساليب الحياة. لكن المستعمر أخفق في حالات كثيرة في نقل تلك القيم التي لها علاقة بأسلوب الحكم والنظام السياسي؛ أي ما يتعلق بالديمقراطية. صحيح أن أغلب البلدان التي حصلت على الاستقلال بدأت حقبة الاستقلال بنظام سياسي يشابه الموجود في الغرب، لكن لم تلبث الأمور أن تغيرت وتحولت إلى أنظمة دكتاتورية أغلبها عسكرية. أدت حالة غياب لغة الحوار وعوامل أخرى يعود بعضها إلى الخارج، ويعود البعض الآخر إلى الداخل، إلى ظهور كثير من حالات التململ الاجتماعي الذي قاد في أحيان كثيرة إلى ظهور الجماعات والحركات السرية، أخذ بعضها ألقاباً دينية، وأدى هذا الوضع إلى ظهور جماعات دينية متطرفة.
كما نجحت بعض الحركات في الحصول على تنازلات من السلطة فسمحت لها بتكوين أحزاب سياسية وذات تسميات دينية. دخلت هذه في اللعبة السياسية عن طريق الانتخابات، وحققت نجاحات محدودة فشاركت في الحكم، وبلغت هذه النجاحات في أحيان أخرى درجات رأت فيها السلطة تهديداً لهيبتها فألغت الانتخابات، وألغت الأحزاب وأدخلت زعاماتها السجن.
فإلى جانب الجماعات التي اتخذت أسماء وشعارات ذات صبغة إسلامية ووصفت بالتطرف، ظهرت حركات وتنظيمات أخرى عملت الشيء نفسه ولكنها هدفت إلى المشاركة في تنظيم الحياة بعيداً عن العنف، فقد انتشر في عدد من الأقطار ما صار يعرف بالحركات أو التنظيمات وأحياناً بالأحزاب الدينية، نجح بعضها في تنظيم جانب هام من حياة أبناء المجتمع أو فئة من أبناء المجتمع، بل نجح في اكتساب موقع متميز في ساحة الحياة الاجتماعية. ولعل فيما قامت وتقوم به جماعة حزب الله في لبنان ما يميزها عن غيرها من الجماعات التي اتخذت لنفسها أسماء لها دلالات دينية؛ فبداية تميزها تبدو في اختيار الاسم؛ فالله هو الله في مختلف الديانات من حيث صفاته وعلاقته بالبشر، وعليه يمكن أن ينتسب لهذه الجماعة أي شخص بغض النظر عن دينه، من الناحية النظرية على الأقل. كما تتميز عن غيرها في أنها لم تكفر من اختلف معها، ولم تمارس العنف ضد أبناء المجتمع الذي هي فيه، واستخدمت السلاح في مقاومة الآخر المعتدي على مجتمعها. ولا شك أن الجولة الحربية التي خاضتها أخيراً ضد إسرائيل رفع من رصيدها الاجتماعي في المنطقة وفي خارجها، حين نجحت في الصمود مدة طويلة أمام أكبر قوة عسكرية في المنطقة، ويرجع جزء من هذا النجاح إلى حسن التنظيم المؤسسي، وتوظيف أحدث أساليب المعرفة العلمية وتوظيفاتها التقانية.