كتاب " مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية " ، تأليف بوبكر بوخريسة ، والذي صدر عن منشور
أنت هنا
قراءة كتاب مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تم تناول المسألة الأخلاقية، من قبل الفيلسوف الفرنسي ر. ديكارت (R. Descartes 1596-1650) في كتابه «مبادئ الفلسفة»، كما لو أنها كانت تنحدر من تصوره للميتافيزيقا، حيث يقول عنها: «هكذا، فإن كل الفلسفة هي كشجرة، جذورها هي الميتافيزيقا، جذعها هو الفيزياء وتمثل الفروع الأخرى [التي تتفرع من هذا الجذع] كافة العلوم الأخرى التي يمكن أن تختزل في ثلاثة علوم أساسية، وهي: الطب، الميكانيكا العامة والأخلاق (morale). ويضيف إلى ما تقدم: «وأقصد بها الأخلاق العليا والكاملة التي تفترض معرفة كاملة بالعلوم الأخرى وتتطلب درجة قصوى من الحكمة (Descartes, 1644). و»بما أننا لا نقطف لا الجذور ولا الجذع، بل نقطف الثمار - لكن فقط من نهايات فروعها - فهكذا ترتبط الفائدة الأساسية من الفلسفة، بفائدة فروعها التي لا يمكننا أن نعرفها سوى في الأخير». هكذا، يؤسس ديكارت علم الأخلاق على «معرفة العلوم الأخرى»، في كتابه «خطاب في المنهج» (Discours de la méthode). وفي سياق انشغاله بـ«أخلاق المؤسسة» (Ethique d entreprise) [للحيلولة دون استخدامها بشكل غير مطابق لعبارة (morale)] فقد ميّز الفيلسوف أ. كونت - سبونفيل (André Comte-Sponville) في كتابه «هل الرأسمالية أخلاقية؟» (Le Capitalisme est-il moral?) بين أربعة استعمالات لمصطلح الأخلاق، من بينها فكرة النظام الأخلاقي. ولتدقيق هذا التمييز بين العبارتين (l’ordre moral et l’ordre éthique) فهو يرجع إلى سبينوزا وكانط، ويعني بعبارة (morale) كل ما نقوم به وجوبا (devoir) وهو من قبيل سلطان الإرادة، ويعني بكلمة (éthique) كل ما نقوم به بمحبة (amour) وهو من قبيل الشعور.
في الغالب، تبدو الأخلاق (أو الآداب) كما لو أنها خاصية الإنسان. وهو ما يجعل منها موضوعا مفضلا في العلوم الإنسانية. لكن الأخلاق هي أيضا وبشكل جوهري مسألة معيارية، سواء كان ذلك بمعنى الالتزام اللائق (Déontique) بما يجب فعله أو بالامتناع عن فعله. وإما بالمعنى الخلاقي (Axiologique) بشأن ما هو أفضل من الناحية الافتراضية. لكن، قد يبدو من الصعب علينا أن نؤسس علما للمعياري، دون أن ننصاع لنوع من التعسف الأخلاقي أو الخضوع إلى نزعة اختزالية وظيفية، تفرغه من معناه الأخلاقي المفترض. لقد أزاحت هذه الصعوبة، بشكل نهائي أحيانا من حقل الأخلاق بعض فروع العلوم الاجتماعية دون الحيلولة، من أن يخصص العديد من المنظرين مكانة جوهرية للأخلاق، انطلاقا من بعض الاعتبارات الفلسفية والإمبيريقية. وفيما سيأتي سنميز [بكيفية عرضية بالنسبة لمختلف العلوم] بين أربعة أساليب أو دروس لا حصرية تموقع الأخلاق في نظرية العلوم الإنسانية: بوصفها وسيلة تفسيرية وموضوعا للتفسير وباعتبارها اتجاها بارزا أو إكراها عقلانيا.
إن المكانة المميزة التي تحظى بها الأخلاق في العلوم الإنسانية، لا يمكن أن تفهم بغض النظر عن المصير الذي خصصته لها، فلسفتان أساسيتان، هم: 1) فلسفة د. هيوم (D. Hume 1711-1776) التي تستبعد الأخلاق من ميدان الوقائع التي يمكن معرفتها بواسطة العقل. وذلك لأن الأخلاق هي أكثر من ذلك: إنها “إحساس أكثر منها حكما”. وسيكون من الخطأ منطقيا أن نستخرج مما هو موجود، نتائج في صيغة عبارات “واجب - وجود”. 2) وفلسفة إ. كانط (E. Kant 1724-1804) التي تأخذ بعين الاعتبار المحرّم أو الامتناع الهيومي، حيث تميز فلسفة كانط بين نظامين اثنين للعقل، عندما تقوم تلك الفلسفة بالتنظير في ميدان الحسي والسببية الطبيعية أو بالعكس، عندما تقود وتوجه الفعل من وجهة نظر الإرادة الخيرة الوحيدة والقانون الأخلاقي فحسب.