أنت هنا

قراءة كتاب مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

كتاب " مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية " ، تأليف بوبكر بوخريسة ، والذي صدر عن منشور

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

الأخلاق البانية الجديدة والنهضة

في البداية، نحاول هنا أن نحدد خصائص الأخلاق البانية الجديدة، بإتباع الأبعاد الثلاثة للزمن. تبدو الأخلاق البانية الجديدة بمثابة أخلاق للمسؤولية [الموجهة نحو الماضي] وأخلاق المصالحة [المتجهة نحو المستقبل] في بعدها الراهن، كأخلاق اعتراف بالآخر بوصفه كائنا إنسانيا يتأثر ويتفاعل. في الحقيقة، لا يكفي هذا النوع من التحديد، لكي نفهم الفعل الأساسي للأخلاق البانية الجديدة من الداخل، مثلما تتم معايشة ذلك. ولهذا الغرض، يجب علينا أن نلجأ إلى تجربتنا وتجربة الآخرين ونحاول توظيف قدرتنا على التخيل. يجب علينا أيضا أن نأخذ في الحسبان سلبية العلاقات السابقة، الديون المتراكمة جراء التحرشات، أشكال التعنيف، الإهانات والمظالم التي تثقل العلاقات الراهنة والمستقبلية: العلاقات بين الأشخاص بالمعنى الواسع، الأشخاص الفيزيقيين والأشخاص الاعتباريين؛ أي الأمم والحضارات بطبيعة الحال. تستدعي حالات وحجم الآلام الأخلاقية التي عاشتها الأمم المتناحرة، إصلاحات وإعادة اعتبار من الناحية الرمزية. بطبيعة الحال، لا يتعلق الأمر بالتعويضات المادية التي تبحث عنها المطالبات الأخلاقية. عندما نثير الحديث عن حاجتنا إلى الإصلاح الرمزي، فإننا سنسمي فعل الكلام ذاك: كلام اعتراف، توبة، عفو، مؤانسة، مودة وإقرار. وفي كافة الأحوال يدور التوقع الأخلاقي حول الحركة المفهومة والمتلقية نتيجة تأثر الغير.

لكن لماذا نتحدث عن أخلاق بانية جديدة، بدلا من التحدث عن أخلاق الرعاية على سبيل المثال؟ وماذا تعني الأخلاق البانية الجديدة؟ هل هي إعادة بناء: ماذا وكيف يكون ذلك؟ فهل يتعلق الأمر بإعادة بناء علاقة؟ في الحقيقة، ليس الهدف الداخلي من البناء الجديد للأخلاق هو إعادة علاقة إلى حالة جيدة. فليس بالإمكان استرجاع الماضي سوى على نمط الذاكرة. من العبث إذن أن نتصور أن بدء العلاقة من جديد، يعني الانطلاق بها من الصفر. ولذلك، فليست غائية الخاصة الأساسية للمقاربة البانية الجديدة هي العودة إلى الوضعية التي سبقت حالة النزاع، لكنها قبل كل شيء توضح وتعمل على الاعتراف بالعلاقة [من طرف إلى آخر] وبالحياة المعاشة لكل واحد؛ أي أن يعي ويعيش كل واحد الكيفية التي عايش بها الآخر حالة النزاع الذي عايشه هو نفسه. هذا الأمر يشبه نظرة ثانية، في اتصال انعكاسي مع الحياة. ويبدو التاريخ، في حالتي الحرب أو الطلاق واحدا: من زاوية خارجية، فهو حالة امتنان شخصين يعيشان النزاع ذاته؛ إذ يتعلق الأمر بنزاعهما. لكن ذلك هو بمثابة مظهر خادع، فإذا طلب من صاحبي القضية أن يتحدثا عن ما حدث بينهما، فسنحصل في الغالب على قصتين مختلفتين جدا. ويقدم هذا الاختلاف، عندما يظل على حاله قياس “اللااتصال” (incommunication) الذي لا يزال يفصل بين الطرفين المتنازعين.

إذا لم تكن المقاربة البانية الجديدة محفزة، لكي تستهدف إعادة الموقف إلى حالته التي سبقت تلك الأزمة، فإننا نبحث أين يكمن النقص الأخلاقي الذي سيشكل النبضة الأولى (Primium movens). لكن الأمر يتعلق بنقص روحي عميق جدا: ذلك الذي نبديه أثناء الشعور [ليس فقط أننا استطعنا أن نفهم] إذا لم نتمكن من الاعتراف عند الآخر بشيء ما ولم نرغب في سماعه. وفي ما وراء الحنين إزاء حياة تالفة، يوجد دافع قوي يحملنا على تقاسم تجربة العلاقة المخربة مع الآخر؛ أي التواصل مع الغير.

الصفحات