أنت هنا

قراءة كتاب إبرة الرعب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إبرة الرعب

إبرة الرعب

كتاب " إبرة الرعب " ، تأليف هيثم حسين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

- 2-

اختصّ عدد من القرويّين بمداواة بعض الأمراض، سواء كانت جسدية أم نفسيّة. كان الزعم الرائج أنّ فلاناً قد اكتسب سرّ تطبيبه من أبيه أو أمّه أو بالفطرة.. ولا يُساق الحديث عن أحدهم، إلاّ بالاستهلال بتقديس سرّه، ثمّ القول إنّ الله يضع سرّه في أضعف خلقه.. ما أشهرها بقرية مقدَّسي الأسرار، ثمّ اختصاراً بالقرية المقدَّسة.. فقرية الأشرار. راجت تسمية الأشرار أكثر من غيرها.. وظلّت تعرف بهذا الاسم فيما بعد. حتّى نسي الناس اسمها الحقيقيّ الذي تلاشى من التداول.

عرف الرشمليّ بإزالة آثار الثآليل، يقرأ عليها بعض الأدعية والصلوات، يعيدها عدّة مرّات، ينفخ عليها، ثمّ يختم عمليّته النفخيّة بأن يربت على موضع الداء، طالباً الشفاء من الله، ولا يطول الأمر بالمصاب حتّى يتماثل للشفاء، فيأخذ هديّة للرشمليّ، ويقدّم نذره المقرّر في حالة إزالة آثار الثآليل التي تشوّه المواضع التي تنبت فيها، وتدفع المصاب إلى الخجل من ظهورها للعلن، أو إظهارها أمام الغرباء، لأنّ ذلك قد ينفّرهم منه، فيؤثر إخفاء المنطقة الموبوءة..

يقال إنّ المختار قد جمع المجد من أطرافه، فإضافة إلى المَخترة، تزوّج امرأتين تختصّ كلّ واحدة منهما بسرٍّ خاصّ بها، تداوي به المَرضى، يجعلها موضع حسد الكثيرين وغيرتهم، ويضع المختار في رأس الحربة محسوداً. اشتهرت زوجته الأولى فريزة بمداواتها أولئك الذين تجتاحهم نوبات آلام الظهر والمفاصل، فضلاً عن تشنّجات أو تقلّصات مفاجئة، يقصدونها ممنّين أنفسهم بالخلاص من تلك الآلام، تستهلّ فريزة حديثها دوماً عن فساد العباد الذي يستجرّ الأوبئة، تخرج عدّتها، عبارة عن سكّين وقطعة خشب صغيرة، تضع القطعة الخشبيّة على المنطقة التي يُشتكَى منها، ثمّ تبدأ بسرد لازمتها، التي تتكفّل بمداواة الجميع. دواء واحد لأدواء عديدة. تطلب من مريضها أن يجيبها على أسئلتها التي تحادث من خلالها الداء الساكن في الجسد، تستفسر منه قائلة: «أيّها الصيّاد عمَّ تبحث؟»، يجيبها: «أبحث عن صيدٍ»، وهكذا تتصاعد وتيرة المحاورة المكرورة. تغمض فريزة عينيها، تلقي أسئلتها دون أن تنتظر الإجابات التي تلقّنها للمرضى، الذين لا يجرؤون على التغيير في أيّة إجابة من إجاباتها.. مرّة وحيدة تجرّأ فيها كريزو على تغيير الإجابة، لم تلحظ فريزة ذلك، وبعد بضعة أيّام شفي كريزو كأيّ مريض آخر التزم بتلقينها. أجابها كريزو، ورأسه بين يديها: «أبحث عنكِ؛ أنت صيدي»، ردّاً على سؤالها التقليديّ الدائم..

اشتهرت زوجة المختار الثانية؛ ربعيكا، بمداواتها لحالات «الخرطكيّ»، يقصدها المَرضى، الذين يكون معظمهم من الأطفال، من القرية والقرى والمناطق المجاورة، تحمل سكّيناً بيدها، تضعها على رقاب المرضى، تتمتم بأدعيتها الخاصّة، تلهج بأسماء غريبة، وتنفخ في الهواء بعد كلّ محاولة، تغمض عينيها، تطلب من مريضها أن يبقي عَينَيه مفتوحتين، يتابع تغيّرات ربعيكا، يتأثّر لاشعوريّاً، ينساق للشعائريّة التي تؤدّي بها عملها، يكتفي بتلقّي التعليمات وتنفيذها.. ولا ينسى أن يأتي لها بهدية بعد الشفاء، وفي كثير من الأحيان قبله.. لطالما أنّ الشائع والمعروف هو الشفاء الأكيد على يديها، قُدِّس سرّها..

أشيع عن الجدّة وطفة أنّها تذيب الرصاص، تفقأ من خلله أعين الحساد التي تدرؤها عن المفقوءة فوق رأسها الرصاص، تمارس طقوساً مرافقة، تقطع الأربعين للنسوة اللائي يقصدنها لتساعدهنّ على أن يحبلن. ذلك أنّ هناك اعتقاداً أنّ المرأة التي يستعصي عليها الإنجاب، تكون محاصرة بالعيون الحاسدة، ومسكونة بشياطين الزواج، فلا بدّ من قطع الحبل غير المرئيّ بين التشعّبات كلّها، تبتر الأربعينيّة، تفقأ العيون المتربّصة، تشقّ الطريق إلى الحبَل بعد قطع تلك الحبال كلّها. تكرّر أنّ المرأة بيت العلل وموطنها، وأن لا شيء يشفيها من عللها سوى النار الكاوية.. ولا تنسى أن تذكّر بأنّ معظم سكّان جهنّم من النساء، غالبيتهنّ معلّقات من ألسنتهنّ، بعضهنّ من حلماتهنّ، بعضهنّ من شعورهنّ، والنيران تتسلّى بقليهنّ وإحراقهنّ..

الصفحات