كتاب " إبرة الرعب " ، تأليف هيثم حسين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب إبرة الرعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بصمت زفّت خجو إلى موسو. صمت يماثل صمتهما اليوم، لم يقطع ذلك الصمت سوى زغرودة انطلقت بها حنجرة وطفة. وقبل أن يتسرّب الخبر في القرية، ويحتلّ الصدارة، كانت خجو في بيت زوجها، تجلس على مخدّة في صدر الغرفة، صامتة كعادتها، وموسو يجلس بالقرب منها. بحركات روتينيّة، نهضت خجو بعد وقتٍ لم تستطع تحديده، لتجهّز بعض الطعام لها ولزوجها، ثمّ اصطنعت أنّها ستفرش فراشين بعيدين عن بعضهما بعضاً. أمسك موسو بيدها، فاجأها ذلك، نظرت في عينيه، حثّها بإشارة منه على توحيد الفراشين. ابتسمت خجو في سرّها، أدارت رأسها عنه، وبصمت نفّذت رغبته التي كانت رغبتها نفسها. كانت العتمة راحتهما، تحت ستارها تجاوز العروسان خجلهما، كأنّه كان مطلوباً منهما إثبات جدارتهما لأنفسهما قبل الآخرين.
خجو التي وُصفت بأنّها غبيّة، لأنّها لا تشارك النساء ثرثراتهنّ حول الرجال، وموسو، الموصوف كذلك بالغموض، لكثير من الأسباب المعروفة والغامضة. كان ينفخ على جسدها أنفاساً كفحيح أفعى تقترب من قنصها، نفخ على رقبتها، صدرها، بطنها، ساقها، موّج فحيحه جسدها الذي كان يستجيب من غير تخطيط، ينقاد كمسحور إلى ساحره، حرارة الأنفاس ألهبت حرارة في الحواسّ كلّها، كان جسدها يصطخب، بطريقة يكاد يجرفهما معاً..
عاشت خجو سعادة لم تذق مثلها من قبل، انفكّ العقال عن جسدها المقموع، كان موسو مكتشف لذّتها، دليلها إلى السعادة التي لم تكن تشابه أيّة سعادة ذاقتها من قبل، شعرت بجسدها يهتزّ ويتفجّر، كانت الظلمة سعادتهما المطلقة. كانت تشعر به يتغلغل إلى مسامّها، ينفخ عليها لتتفتّح براكين لذّة تغدق عليه بالحمم، كانت ترتجف، تتحشرج كذبيح، وهو يلعق جسدها بلسانه اللعوب، الذي هو في صمته الفاعل أبلغ من ثرثرات الآخرين الجدباء التي تطاله. لم تكن خجو تدري ما تقوم به، اكتفت بالاستلقاء وتسليم جسدها لزوجها، كانت تئنّ تحته، تكزّ على أسنانها كي لا يصدر عنها صوت يخترق جنّة صمتهما، ويكسر قدسيّته، كان جسدها يتماوج، وهو يخترق حجاب أنوثتها، ويفرغ فيها شحناته. خجلت أن تُنهضه عنها، سمعت تأوّهه، بعدما أفرغ فيها ماءه الذي اختلط بدمها، فكانت الحرارة بين ساقيها ماتعة مختلطة بألمٍ زادها انتشاء ولذّة. كانت تلك المرّة الأولى بالنسبة لهما، ارتبكت وهي عارية من كلّ شيء بين يديه، هل ترتدي ثيابها، أم تبقى على حالتها، ثمّ بأيّ الكلمات يمكنها أن تعبّر عمّا جاش في روحها.
لا أردّ على تعليقات القرويّين وسؤالهم لي حول احتفاظه في الفراش ببراعة لسانه الصامت، وفعله المدمّر المعمّر.
كنت أترك ولديّ في بيت أمّي، لأنّني غالباً ما كنت هناك، أقوم بشؤون البيت، ولاسيّما في السنوات التي غاب فيها موسو.
لم أحاول أن أواسيه. هو الذي لا أعرف عنه شيئاً بعد رحيله من القرية. أحببته من كلّ قلبـي، لم أملك إلاّ أن أشاركه الصمت الدامع. لم آبه لتفسير صمتنا، إن كان تعاطفاً معه على مصابه الماضي، الذي لا أفهم شيئاً عنه، أم تألّماً من فقده المديد.. أم سعادة ولذّة لعودته..
كم تصوّرت أن يكون الوضع مختلفاً في الليل عنه في النهار. كنت أتخيّل جنّتي. حين يغدو الليل الزائر المفضّل في بيت موسو، يلقي بصمته المهيب على البيت الصامت، يخفي الملامح والعيوب عن الأعين، يحلّق الزوجان فيه إلى عوالم مبتدعة ساحرة، يرى موسو زوجته أجمل امرأة في الكون، تراه خجو سيّد العالم بصمته وأصابعه المبتورة التي تبرع في مداعبة ثنايا جسدها الذي اكتشفت قيمته، وعالمه الشاسع الذي ينطوي عليه.. تراه أبلغ خطيب في صمته، لأنّ لسانه كان يقوم بمهمّات إضافيّة. يلحس، يلعق، يمصّ.. يتكلّم أفصح الكلام من دون نطق..
كنت قد اكتشفت بالممارسة، برغم جهلي بالجسد، وتفاصيله، أنّ اللسان يتشابه مع القضيب في الكثير من الصفات، فهو مثله يخرج من قمقمه، ينتصب، يخترق، يدمي، يبعث اللذّة والسعادة في الجسد، يسيل منه اللعاب كما يسيل الماء من العضو، ثمّ ينكمش على نفسه، يختبئ في جحره اللحميّ، يهدأ حتّى يُظنّ بأنّه قد تلاشى، ثمّ لا يلبث أن يعاود تأثيره العظيم في ساعات لاحقة، كأن لم يصادف له أن مارس هذه المتعة من قبل..
اكتشفت أنّ اللسان يمكنه أن يؤدّي مهامّ جليلة تفوق النطق والكلام، وقالت في قرارة نفسها إنّ فعله الصامت أفضل من الجعجعة التي يخلّفها الكثيرون وراءهم، وهم صامتون جامدون حين يستلزم الفعل.
كانت حقيقة عالمه تكمن في الصمت. ومنه ينطلق تخيّلاً إلى عوالم متفجّرة لذّة ونشوة..
لم يسألنا أحد عن مسيرة زواجنا، ولا كيف سارت الأمور، كان هناك شعور بأنّ كلينا غير قادر على ممارسة الجنس، وأنّه يستحيل أن أعلم شيئاً في هذه الدنيا عن الجنس، لا أشبه النساء اللواتي يهتممْنَ بأنفسهنّ أحياناً، ولأنّني كنت دائمة العمل، أنام في ثوبـي الذي أعمل به في البيت والحقل، أنتقل من البيت إلى الحظيرة إلى الحقل، تفوح مني روائح الروث والعرق، لا أتذمّر ولا أستاء، أنفّذ الأعمال كلّها بصمت..
ازداد التكهّن المتناقض حول موسو بعد عودته، بعضهم قال إنّه فقد عضوه في الحرب، آخرون قالوا إنّه اغتصب الكثيرات، وشحذ عضوه واستعمله أكثر من رجال القرية كلّها..
كان الليل ملاذنا، مكمن سعادتنا، لا نضطرّ فيه إلى الحديث، ولا الإشارات، ولا النظر في بعضنا، أفسحنا المجال لقلبينا وروحينا للتواصل، نجد أنّ متعتنا في الالتصاق ببعضنا بعضاً، يقفز موسو أحياناً من حضني من غير سبب، كمَن يُغافَل في مأمنه، وكمن يتأهّب للانقضاض على عدوٍّ شرسٍ، لم أكن أعلّق على مثل تلك الحركات، التي أدركت فيما بعد أنّها لا إراديّة، كنت أجد في حضنه الدافئ ملاذي الآمن، الذي افتقدته سنوات، وكان يجد في حضني أمانه المفقود الذي حلم به تلك السنوات التي غاب فيها، وحناناً لم يتعرّف إليه.. كان التخيّل والاستذكار سلاحنا. والرعب العائش في داخلنا ومعنا عدوّنا وأليفنا..
لم أطالبه بالعمل لتأمين مستلزمات البيت، كنت أتكفّل بتأمينها من بيت أمّي، كوني استمررت في أعمال البيت والحظيرة وتركت الحقل. وكان ابناي قد كبرا ويستطيعان الاهتمام بأنفسهما، قبل أن ينتكس كاوا انتكاسته التاريخيّة المزمنة.
ارتاح موسو بدوره لوعي زوجته، استغرب في سرّه نعت القرويّين لها بالغبيّة، في حين أنّه وجدها ذكيّة جدّاً، لاسيّما أنّها غيّرت عاداتها، دأبت على الاستحمام، لم تعد تفوح منها روائح العرق والروث. حتّى أنّ كريزو، حين مرّت خجو من أمامه، غمز مقهقهاً، وهو يعلّق على تغيّر حالتها بعد عودة زوجها، بأنّ العضو يفعل العجائب..