كتاب " بوبال " ، تأليف د. محمد موسى بابا عمي ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب بوبال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بوبال
خوفي من الليل مردُّه الفئران، والجرذان، والحشرات، والزواحف اللاسعة؛ بل... ويُعثر أحياناً على أفعى هنا أو هنالك، وعادةً ما نسمع عن موت طفل أو طفلة بلسعة مسمومة قاتلةٍ، من حيَّة ماكرة مكرَ المستعمِر...
وممَّا يزيد ليلي ثقلاً ورعباً تأوُّهاتُ والدي العزيز وصرخاتُه، جرَّاء قروح في المعدة، تؤلمه الألم المبرح الشديد، فتتركه يتلوَّى ويصارع سكرات الموت... وهو يلعن في كلماته وهمهماته: كلَّ سببٍ أدَّى به إلى ما هو عليه، وكلَّ إنسان أرداه رغماً عنه في محنته هذه... وهو أحياناً يلقي اللوم عالياً على نفسه، مردِّداً بصوت حزين: أنا السبب... أنا السبب...!
ذاتَ يوم اشترى لنا والدي، من حُرِّ ماله الذي ادَّخره، من عَرَق جبينه، تلفازاً ملوَّناً، صغير الحجم، لا يكبُر عن ورقة الكتابة إلاَّ ببضعة إنْشات...
كنَّا نحن الصغار نشاهد فيه أفلام (الرسوم المتحركة) وأفلام (رعاة البقر) الأمريكية؛ أمَّا الرجال فكان فيلمهم ومسلسلهم المفضَّل هو (دالاس)... ذلك القمقم الذي يجمعهم على صعيد واحد مع تباينهم واختلافهم... فتراهم فاغِري الأفواه، لو دخلتْ ذبابة فمَ أحدهم ثم خرجت لَما أحسَّ بها... وقد يصل عددُ المشاهدين أحياناً العشرين من رجال حيِّنا، فكان فناؤنا الضيِّق الوسخ مثل قاعة كبرى للسينما.
لقد رسخ في ذهني ذلكم الصراخ الجماعيُّ على الأطفال، إذا اقترب الواحد منهم من مجموع المشاهدين؛ ذلك أنَّ الرجال - في تقديري - يخافون أن تَلتقط عيوننا الصغيرة بعض المشاهد المثيرة من جمال نساء (هوليود)... فكان الصراخ يزداد حدَّة كلَّما كان الطفل أكبر عمراً، إلى أن يبلغ سنَّ المراهقة... فإذا ما تجاوز الثامنة عشرة قُبِل ضمن فريق الرجال الأبطال، حتى وإن لم يكن متزوِّجاً... كأنَّ غضَّ البصر له عمرُه، وإلقاءَ العنان للنظر الحرام له عمره... ولله في خلقه شؤون.
أبي مسلمٌ، يصلِّي أحياناً، ويترك الصلاة غالباً؛ فهو يقول لنا: إنني أصلّي لله بقدر النعم التي أنعم بها عليَّ، ولا أزيد...