أنت هنا

قراءة كتاب الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

كتاب " الغضب الإسلامي - تفكيك العنف " ، تأليف د.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

(1)

هذا الكتاب يسعدني أن أقدم له؛ لأنه يشمل موضوعاً أكاد أقول: إنه من أهم ما يتعين أن ينشغل به الفكر السياسي لدينا في هذه الفترة. وهو يتناول مسألة ما أحرانا أن نقف عندها طويلاً؛ بمثل ما تأملها صاحب الكتاب، وقد توافر لديه القدر المناسب من الإحاطة الفكرية بالظاهرة السياسية التي ينظر فيها، وجمع لها من وجهات النظر المتنوعة والمتخالفة ما أثير ويثار بشأن هذه الظاهرة، حتى يكون قارئه على بصيرة بهذه الوجهات جميعاً، وكان لديه من الصبر والمثابرة في عرض وجهات النظر ما يندر وجوده بين الشباب في مثل سنّه، وما قد يَغبطه عليه بعض الشيوخ!.

الموضوع في ظني يدور في إطار هذه العلاقة الجدلية بين الفكر السياسي وبين الحركة السياسية، ويتعلق بالتأثير المتبادل بينهما. وإذا كانت الحركة السياسية - لا شك - تصدر عن فكر تحددت به الرؤى والتوجهات، ثم انبعثت به دعوة ثم تمثلت في إطار تنظيم بشري حركي يصدر عن هذا الفكر ويستهدف الغايات التي رسمها، إذا كان ذلك كذلك، فإن هذا الفكر ذاته إنما كان ثمرة تلاقح بين واقع فعلي مرئي معيش وبين مصدرية فكرية سابقة.

وإن الفكر لا يتولد في تجدداته وتعدلاته وتغيراته - أي لا يتولد في حركته - إلا باتصاله بواقع معيش، وبنظر إلى أوضاع هذا الواقع المعيش، واتخاذ موقف اختياري منه. وفي ظني أنه لا يوجد فكر يَجدّ ويطرأ إلا ويكون متأثراً بواقع ما جدَّ فيه وما طرأ.

والأكثر رجحاناً في ذلك أنه لا يوجد فكر ينتشر وتتشكل به حركات سياسية أو اجتماعية إلا ويكون هذا الانتشار ذاته تعبيراً عن ظاهرة حاضرة. فثمة ظاهرة حاضرة وحاصلة، وثمة تعبير فكري عنها نتج عن التقاء فكر ما بواقع ما وعن تفاعلهما معاً.

وعلى أي حال، فإن كل مجتمع أو جماعة، وهو يتعامل مع أوضاعه إنما يتعاطى من مخزونه الثقافي ويصوغ حركته وأفعاله وردود فعله، ويصوغ تعبيره عن ذلك من رصيده الفكري العام، أياً كان تقديرنا لأفعاله وردود فعله بالنفع أو الضرر، وأياً كان حكمنا على تعبيره الفكري بالصحة أو الخطأ.

إن مؤرخين لاحظوا - مثلاً - أن الفرنسيين هم من عاد إلى التاريخ الإغريقي ونظام المدينة فيه، وهم يبنون موقفهم من نظم الحكم وينجذبون إلى النظام الديمقراطي يحددون أطره ويردون أصوله إلى سوابق تاريخية، كما أن الألمان هم من عاد إلى التاريخ الروماني وهم يبنون موقفهم من بناء الدولة القوية وينقبون عن السوابق التاريخية. وفي كلا الأمرين نلحظ أن الخيار معاصر ولّدته التجربة السياسية المعيشة، وأن الصياغة التاريخية كانت سحباً من المخزون التاريخي والفكري لمجمل الحضارة الأوربية.

وبالمثل ظهرت الفاشية في إيطالية في عشرينيات القرن العشرين من خلال بعث الأمجاد الرومانية، في حين ظهرت النازية الألمانية من خلال توجهات ما في الفكر الاشتراكي والذي كان سائداً في حاضر ألمانية وماضيها القريب. كما أن بعض الساسة لاحظ أن السياسة الاستبدادية العدوانية في الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتلمس تعبيرات لها من الرصيد الليبرالي الحرّ. وفي كل هذه الحالات نلحظ سياسات هي أفعال وردود أفعال واقعية لبلاد أو جماعات أو تيارات فيها، وهي في ذات الوقت تستدعي مخزوناً ثقافياً يكون مناسباً في التعبير عنها، وتصوغه بما يعبر عن موقفها الحياتي الراهن.

الصفحات