قراءة كتاب العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد

كتاب " العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

إن القول بأن العالم قديم معناه القول بأنه غير كائن ولا بداية له، ومن ثم، فهو لامتناهٍ. أما القول بأن العالم حادث فمعناه، على خلاف ذلك تماماً، القول بأنه كائن ذو بداية، ومن ثم، فهو متناه. نعم، إن القدم والحدوث لا يغطي سوى جزء يسير من أشكال التناهي واللاتناهي، وهو الجزء المتعلق بالزمان دون ما يتعلق، من ذلك، بالعدد وبالعظم، أو المقدار. لكنه يقدم لنا، مع ذلك، صورة عن الوضع الخاص بإشكال تناهي العالم أو لاتناهيه ككل، إذ إن حكم الجزء، هاهنا، ينسحب على الكل، لا في تاريخ الفلسفة فحسب، وإنما، أيضاً، في المدينة العربية الإسلامية، عموماً، وفي الغرب الإسلامي على وجه الخصوص.

من هنا، الأهمية البالغة للنظر في مفهوم العالم ككل، وفي مسألة التناهي أو اللاتناهي بوجه خاص، لدى فيلسوف قرطبة ومراكش أبي الوليد بن رشد. ذلك أنها لم تكن بالنسبة للفيلسوف ترفاً نظرياً خالصاً، ولا إسهاماً في مراكمة الأقاويل والردود، من جهة، والمختصرات والتلاخيص والشروح والتعاليق، ومن ثم، التأويلات والتبريرات ومستويات الفهم المختلفة، من جهة ثانية.

إن المسألة بقدر ما تحيل على تاريخ الفلسفة الخاص، وأيضاً على تاريخ العلم، بل وعلى تاريخ المتن، فهي تحيل، كذلك، على تاريخ المجتمع، ومن ثم، على تاريخ الدين والسياسة في العالم الإسلامي، عموماً، وفي الغرب الإسلامي منه بوجه خاص.

لكن، وقبل أن نبسط القول في مختلف هذه الإحالات، فما معنى أن نتحدث عن منزلة العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد؟

لعل من الواضح أنّ هذا السؤال إنما يستمد قيمته من المقاصد الدلالية التي قد توحي بها الصيغة التي نقترحها للعبارة، ومن ثم، للإعلان عن المضمون العام والمسار الكلي للبحث الذي نحن بسبيله، إذ إنها تشي بعدة احتمالات للفهم، وبغير قليل من جهات النظر. ذلك أن الحديث عن العالم بين التناهي واللاتناهي، لدى ابن رشد، يمكن أن يفهم بمعنى المنزلة بين المنزلتين، أي أن العالم يتنزل، بالنسبة لفيلسوف قرطبة ومراكش، منزلة وسطى، أو انتقالية، بين التناهي واللاتناهي. فهل يمكن الاعتقاد، فعلاً، بوجود مرتبة مماثلة في العالم؟ هل يجوز التفكير في ثالث غير مرفوع بين التناهي ونقيضه، أي اللاتناهي، بهذا الشأن؟

الظاهر أننا، هاهنا، لا بإزاء متضادين تحتمل العلاقة بينهما أن تندس، في ثنايا مواقع التماس ومواضع التقاطع والمتاخمة بينهما، مراتب أو، على الأقل، مرتبة أخرى ثالثة، وإنما نحن، على العكس من ذلك، بإزاء طرفين يحتكم التقابل القائم بينهما إلى التناقض التام الذي ينعدم فيه أي احتمال للتوسط أو التدرج، فالثالث الممكن بين التناهي واللاتناهي مرفوع بإطلاق.

معنى ذلك، أنه لا بد من إقصاء الفهم الذي يستفاد، بمقتضاه، من الصيغة المشار إليها سلفاً، أننا قد نروم القول بأن أبا الوليد بن رشد إنما يضع العالم في منزلة وسطى بين التناهي واللاتناهي، وذلك لمكان التقابل التام، ومن ثم، التناقض البالغ منتهاه بين المفهومين.

هنالك احتمال آخر لفهم عبارة العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد، وهو الاحتمال الذي قد يراد به مسار التصور الرشدي للعالم من التناهي إلى اللاتناهي أو العكس، مع التأكيد على الاتجاه الأول لتقدم مفهوم التناهي على مفهوم اللاتناهي في العبارة المقترحة، كما سنوضح ذلك فيما بعد.

سنكون، بهذا المعنى، أمام نوع من التطور التاريخي، أو التحول الكرونولوجي، الذي ينتقل أبو الوليد بمقتضاه ولهذا السبب أو ذاك، من القول بتناهي العالم إلى اعتناق فكرة لاتناهيه.

سوف يكون علينا، لو صح هذا الفهم، أن نميز بين النصوص والمصنفات التي تذهب هذا المذهب أو ذاك، وأن نحدد أزمنة كتابتها ضمن كرونولوجيا تواليف ابن رشد، وان نستقصي الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا التحول، إلى غير ذلك من المطالب والفحوص التي ينبغي العناية بها في هذا المقام.

الصفحات