كتاب " عشق السكون كل إمراة هاجر " ، للمؤلفة نورية تشالاغان ، ترجمة
أنت هنا
قراءة كتاب عشق السكون كل إمراة هاجر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
طلع الفجر, بدأ الشفق يداعب سكرة الليل بيده الحمراء. في ذاك اليوم استيقظت قبل الجميع, داعبتْ وجهي نسمات الصبح الدافئة, كانت السماء صافية ورائقة, بدأت الحياة تدبّ في الوجود وتزداد حيويةُ الأشياء. راقبت بعض الطيور التي كانت تحلّق في الفضاء. وقفتُ مدّة من الوقت أراقب الأشياء بروح مفعمة بالسعادة, كنت أعلم أن حالتي هذه لن تستمرَّ طويلاً. بعد قليل ستستيقظ سارة وتبدأ كعادتها بالإساءة إليّ. ستقول لي:
- اغربي من هنا. اذهبي من هنا مع ولدك قبل أن تلديه. لا أريدك لا أنت ولا ولدك.
كم هو صعب أن تكون شخصاً غير مرغوب فيه, روحي تقول اذهبي وقلبي ينزف على إبراهيم, يقول لي اصبري قليلاً فقط. كنت أملك الصبر ورغبتي بالذهاب لم تكن بسبب نفاذ صبري بل كانت نابعة من بحثي عن حل.
اتّخذت قراري. تحرّكت وأنا أشعر بصعوبة تنفيذ القرار الذي اتّخذته. فكرت: هل أذهب غداً؟ ولكن من الأفضل أن أنفِّذ قراري فوراً. كنت خائفة وقلقة, لأول مرّة أجد هذه الصعوبة باتّخاذ قرار يخصّني. قلة الحيلة تملّكتني. فكّرت مرّة أخرى بما يجب عليّ فعله. لم يبدُ لي أي حلّ آخر, قلت ربما ينطفئ غضب سارة قليلاً وتهدأ إن ابتعدت لفترة عن هذا المكان. يجب أن أذهب لفترة من الزمن. انتظرتْ خطواتي مترددة بين الذهاب والبقاء. ألمُ الخطوة الأولى أدمى فؤادي. وبعد ذلك جاءت الخطوات التالية.
ذهبت.. هل هذا ذهاب أم هروب من الإساءات والتوبيخ؟ الثاني هو الأصح.
هناك معانٍ عديدة لاسم هاجر أولها الهروب. إذن ما جرى أن الاسم انعكس على المصير.
ليس لدي مكان أذهب إليه ولا أحد ألجأ إليه ولا قريب أدق بابه, إلى أين سأذهب؟ أول مرّة أشعر بألم الوحدة واليتم. تحوّلت الغربة إلى جمرة استقرت بداخلي. سرت كالشريد, لا أعلم ما الذي ربط لساني وجفف حلقي أهي الصحراء أم اليتم..
وصلت إلى طريق "شور", التعب يغزو رجليّ واليتم يغزو قلبي والعطش عبّر عن نفسه على لساني, كنت لا حول لي ولا قوة, الشيء الوحيد الذي كنت قادرة على فعله هو تلك الدمعات التي تزرفها عيناي. هذا ما كنت أفعله عندما كان يشتد غضب سارة, فقد كان يريحني, كأنني كنت أمسك همومي من ذراعيها ثم أحمّلها داخل تلك الدمعات وألفظها إلى الخارج. انتبهت إلى أنني بكيت كثيراً, كنت أجد صعوبة في التنفس بسبب حرقة تلك الدموع, حُبست غصة البكاء في حلقي برهة من الوقت. حين ينتهي الأمل ينتهي الألم والدموع أيضاً, وهذا ما كان. نظرت حولي بيأسٍ, كان المكان خالياً تماماً, قلبي محمّل بكتائب من الدعاء. كانت تهب عواصف قلب جريح مليء بالآهات. حطّت نظراتي على نبعٍ, سُررت كثيراً, نبع أمامي في وقت يحرق فيه العطش جوفي. ارتحت كثيراً كأن هذا أول إشارة. فهمت ذلك أن هذه أول مواساة من الله. هرولتْ رجلاي مسرعة نحو النبع, اتّحدت روحي والماء. شربت حتى الارتواء تركت يديّ الجافتين ووجهي الذابل لسحر الماء, انطفأت شعلة الحريق في عينيّ ورمّدت جمرة النار في حلقي. هدأت نفسي.. ارتحت.
جلست عند النبع, ظلَّلت الشجرة الموجودة جانب النبع روحي, سمعت خرير الماء كصوت صديق يداعب قلبي, الماء أيضاً, في إحدى جوانبه, صديق للإنسان, عندما كنت في قصر فرعون أيضاً كان النيل كيد صديق, طويلة وضخمة, تمتد لي. كلما كنت أشعر بالملل كنت أنظر إلى النيل, كنت أستغرق بجريان مياهه الساحرة الرقيقة الدافئة. كنت أشعر بأمل التعلّق بالحياة في صوته الرخيم وفي طلاسمه الباعثة على الحياة. وهذا النبع أيضاً أعطى جسدي المتعب وروحي التي فقدت أملها إشارات الأمل بالحياة فأنعش جسدي وروحي أيضاً. حدّقت بخضوع الماء للتراب وجريانه في ثوبه, وبصبره أثناء الجريان فيه. فجأة انتصب أحد ما أمامي, خفت, كان غريباً, كيف لم أنتبه لوقع أقدامه على الأرض, من أين جاء وكيف؟! منذ برهة فقط لم يكن أحد موجوداً هنا, نظرت إلى الغريب بخوف.
حاصرت نسمةُ خوف باردة قلبي الذي كان منتعشاً بصوت الماء. بداية أصاب الخوف قلبي وبعد ذلك امتد إلى عينيّ, تلفّتُّ بعينين حائرتين تراكم الخوف فيهما وبقلق ضعف المرأة الوحيدة, تسمّرت في مكاني كمن يأمل بالنجدة, أخذ الكلام نصيبه من الخوف.
كل ما في هذا الغريب يبعث على الأمان, حكيم وحليم, ذهب خوفي خلال لحظة, أمرٌ غريب, إذ كيف لإنسان أن يشعر بالأمان والطمأنينة لرجلً منذ قليل فقط كان مبعث خوف بالنسبة له, لم أدرك سبب تغيّر مشاعري المفاجئ, امتلأ قلبي باحترام معنوي له.
قدّم الغريب البشارة بكلام يريح قلبي ويُذهب الضيق الذي بداخلي:
- عودي إلى منزلك وأنجبي ولدكِ, الولد الذي ستلدينه سيكون اسمه إسماعيل. لقد رأى الله الألم والعذاب الذي قاسيته وسمع شكواك, ستذهبين أنت وولدك من هنا وستستقران في مكان غريب(2)
- من يكون هذا الرجل؟ من أين يعلم الآلام التي عشتها؟ صار لدي فضول لمعرفة هذا الشخص الذي يواسيني. سألته بصوتٍ يرتجف بانفعال من يريد أن يعرف شيئاً:
- من أنت؟ فقال الغريب:
- أنا الملاك الذي أرسله الله. ثم اختفى.
أتى فجأة وفجأة ذهب, ولم يبق من هذه الرياح المعنوية سوى رائحتِها الطيبة التي تملأ المكان.
تلقيت البشارة.
هذا يعني أنني سأبتعد عن سارة.
هذا يعني أن هذه الآلام ستنتهي. سقطت عيناي على الماء كبحيرتين مليئتين بالدموع.
كان النبع يجري.
تلقيت البشارة عند الماء , الماء عزيز والولد الذي سيأتي سيكون عزيزاً كما الماء.
تدفقت إلى البيت كما الماء, كانت روحي مفعمة بالراحة والسعادة, لم أعد أفكّر بسارة أثناء عودتي إلى البيت.
(.........)
لم أكن أفكّر بأي شيء سوى بولدي الذي جاءت البشارة فيه وبجبرائيل الذي نقل البشارة.
عجباً, هل كان جبرائيل يريد مواساتي أم مواساة الطفل الذي أثّرت عليه روحي الحزينة. لم أعرف.
هذه أسرار السرّ الأزلي.