أنت هنا

قراءة كتاب عمر بن الخطاب شهيدآ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عمر بن الخطاب شهيدآ

عمر بن الخطاب شهيدآ

كتاب " عمر بن الخطاب شهيدآ " ،تأليف عبد الله خليفة ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

- لا أقول ذلك ولكن كيف سنجد الرجال؟ هذه القبائلُ المعدمةُ ازدادت فقرًا·· والمرتدون عادوا للإسلام··

- هذه نساؤهم هنا· وهناك من يتمتع بهن! وثمة أسرى ومشردون منهم والنازحون من البوادي يتكاثرون وعلي أن أوفر الطعامَ للجميع!

- أنا يهمني أن تعطيني رجالاً لأقود جيشي الذي تعصف بخيامه الرياح!

- سأفعل· لا بد أن أفعل ذلك·· بشكلٍ كبير أيضًا·· لكن كيف؟ كثيرةٌ هي الأمورُ التي تشغل بالي وتحرقني، جيوشٌ متناثرةٌ في الشام، فقراءٌ في كل مكان، والفرس يستعيدون الأراضي·· إني أعتمد عليك في توجيه الجيش بالعراق··

- بعد أن ذهب خالد بن الوليد إلى الشام صرتُ أنا القائد هناك!

- لقد أبليتَ بلاءً حسنًا··

الظهيرةُ ساخنةٌ رهيبة في الحجاز، والمشاة تسير كالدائخين إلى المسجد، أشباحٌ وظلالٌ من العظام، والباعةُ يقفلون متاجرهم، وحشدٌ من الإماء يتسلل إلى الأزقة وضحكاتهن تتعالى، وبضعةُ شبان يسيرون وراءهم·

عمر يتطلعُ بحنق· ويدخل المسجد ويندفع إليه الناس، يصافحونه ويهنئونه· ويندفع إليه رجلٌ ما:

- يا سيدي عمر··

- لستُ سيدك!

- ·· أمير المؤمنين ذلك الرجل الكهل خرب أرضي ومنع الماء عن بيتي··!

- من هو؟ أشر إليه!

- ذاك أبو سفيان بن حرب!

اندفع عمر في الدروب المتربة الحجرية، وراءه حشدٌ من الرجالِ والنساء، وصعد تلةً، وأبوسفيان خلفه، وأقدام الجمهور تدفع الحصى فتئزُ، وتطلع الناسُ إلى عمر وهو يجر أبا سفيان إلى بيته الكبير الذي احتلَّ المرتفعَ وأزاحَ البيوتَ الصغيرة واحتاز عينًا، قال:

- اذهب هناك يا أبا سفيان وانزع تلك الحصاة··

رمقه أبو سفيان بغيظٍ وصعدَ وحملَ الحصاةَ وخدمه يندفعون نحوه ويساعدونه ولكن عمر ينهرهم:

- وأيضًا تلك الحصاة وتلك الثالثة!

ابتسم المثنى وتساءل (أهذا حاكم؟ لماذا لا يدع بضعة حراس يقومون بذلك؟ أي تعب سيكون لي معه!)· ورأى الناسَ يتهامسون ويضحكون، ثم عادوا كالسيلِ الجارف نحو المسجد، حشودٌ من الملابس والرؤوس والعظام والسواعد طلعت من كل دربٍ، واصطفت للصلاة· نهض عمر خاطبًا:

- أيها الناس لقد انتدبتكم لحرب العراق وأخشى أنكم تخافون الفرس ذوي الصولجان وتتركون إخوتكم العرب تحت الذل والفقر· مالكم لا تسمعون لي وتتلكؤون في طاعتي؟!

راح الرجالُ يتطلعون إليه بأسى، وبدا كأن سحناتهم تتغير، وبدا أنهم يرون الأميرَ في ثوبه الجاف وبصلعته المتألقة في الضوء، وبجسمهِ الشامخ الذي بدا موهنًا هزيلاً، وهم يجمعون اللحم وينامون في الظهائر· وراحوا يهمسون:

لو ذهب عمر ماذا سنفعل؟!

حين أراد أن يجلس رفع المثنى يده للكلام فأذن له· قال:

- أيها الرجال لو حدثتكم عن العراق وخضرته ومدنه وحقوله لسمعتم العجب· إنه أنهار لا يظهر لها أولٌ من آخر، ثم حقولٌ وبساتينٌ لا يحدها النظرُ، الثمارُ من كثرتها شبعت منها العصافير، والعربُ تحرثُ الأرضَ وتسكنُ في بيوتٍ من خوصٍ وتأكل الطين، الفرسُ تسكنُ القصورَ يحيطُ بها الجندُ الذليل، أناخوا على المتع والخصب والنساء، يقيدون جنودهم ليحموهم ويجروهم للحروب كما تــُجر الدواب·· لا يستطيعون أن يصمدوا لكَّرةٍ من خيول عربية جريئة، يتطلعون وراءهم دومًا للرجوع لقراهم التي صفدوا فيها، يخشون الحربَ خشيتهم الطاعون، ما أسرع ما يهربون حين يــُـقتلُ رؤساؤهم، فتعجبُ في لحظة واحدة أين ذهب ذلك الجحفل من الجند الذي يملأ الآفاق!

وكأن الرجال بدأوا يصغون إلى صهيل الخيول وهي تحمحمُ وتغرقُ، يرون أفقًا كثيفًا بجنود العدو الزاحف نحوهم· فقال أبو عبيد بن مسعود الثقفي:

- إنني لها يا أمير المؤمنين!

فقال سليط بن قيس الكلام نفسه، ورفع ثالث يده، وراحت الأيدي ترتفع والأصوات تعلو!

الصفحات