كتاب " ثقب في الجدار " ، تأليف بسام السلمان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب ثقب في الجدار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ثقب في الجدار
تركَت فاطمة لأختها «سميرة» مجموعة من الأوراق بدأت بكتابتها منذ أن كانت طالبة في «جامعة اليرموك» في مدينة «إربد» بـ«الأردن»، وتركَت سجلّ مكالمات محفوظ على ذاكرة هاتفها النقّال، وعدداً من الرسائل القصيرة التي كانت تتبادلها مع عَلِي. لم يكن يربط فاطمة بعَلِي قبل سفرها إلى الأردن أيّة علاقة عاطفية، كان ابن الجيران الذي لعبَت معه طفلة على «بيادر» القمح كغيره من أولاد وبنات الحارة.
كانت تقول لسميرة:
- بقدْر ما كان يشتاق لي خلال غربتي في الأردن بقدْر ما أشتاق إليه الآن...
تنظر فاطمة من نافذة المطبخ، تنظّف المطبخ كاملاً، بينما أختها سميرة تقف أمام نافذة غرفتها، عين على الأطباق الزجاجية وعين أخرى على غرفة عَلِي، تحاول طرد النعاس بتنظيف الأواني المنزلية، تنتظر أن يطلق إشارة الوداع، لكنه ما زال ينتظر ويطيل النظر إلى نافذتها التي يفصل بينه وبين نافذة غرفته جدار اسمنتي ضخم كالأفعى يلتف حول الجسد ويحاول خنقه، هو ينتظر بعشق وفاطمة تتقلّى كالصياد. لا تدخل غرفتها المشتركة مع أختها سميرة قبل أن يغلق عَـلِي نافذة غرفته ويطفئ أنوارها، فتعود وتدس جسدها تحت لحافها وتنام على صوت أغنية تختارها أختها، وقليلاً ما كانت تتأخر سميرة فهي تنام مبكّرة.
طال التعب كل جزء من جسد سميرة، خرجت من المطبخ، أسرعت كي ترمي جسدها على الفراش، لم تكن فاطمة في غرفتهما، بحثَت عنها غاضبة، ثم وجدتها تجلس مع أمها وهي تبكي، وأمها تمسح دمعتها.
وبحركة من يد سميرة سألت أمها من دون كلام؟
أغمضَت أمها عينيها وبنفس الإشارة أجابت ابنتها عن السرّ الذي أبكى فاطمة.
جلسَت بقربها وضمَّتها إلى صدرها، ولعنَت اليوم الذي وُجد فيه هذا الجدار.
***
في الليل الخالي إلا من صوت الأشجار تداعبها الريح، تسمع أنين تائهين، وصلصلة أغلال، ونحيب نساء يتعالى من جنبات الأرض الأربع مختلطاً بخطى مجهولة يتردّد وقْعُها على الرصيف، وتنتقل أصداؤها إلى داخل البيت مع الريح مِن وراء الجدار..
في الليل تسمع أكثر، تتفتح الحواس لكل صوت وصورة، تكون وحدها برفقة الجدار بانتظار ربيع العربي.
تسمع في ما تسمع شهقات حب غامضة وأغنيات تموج على أثير الطرقات في الغبار والدخان الليلي.. تسمع أنّات الحرمان التي تعيشه منذ تلك اللحظة التي قال أبوها لمشايخ البلدة: «لا، أخشى أن يفرقنا الجدار إلى الأبد».