كتاب " فوح الشذا ( أزاهير أردنية في الأدب والنقد ) " ، تأليف د. يوسف بكار ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
أنت هنا
قراءة كتاب فوح الشذا ( أزاهير أردنية في الأدب والنقد )
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فوح الشذا ( أزاهير أردنية في الأدب والنقد )
فلسطين في ديوان «على دروب الكفاح»
لمحمود الرّوسان[(]
محمود الروسان([42]) شاعر أردني يمكن عدُّه من شعراء الحماسة، أو من الشعراء الفرسان كالشاعر محمود سامي البارودي، والأمير عادل أرسلان. كرَّس أكثر من نصف ديوان شعره الأول «على دروب الكفاح» لفلسطين ونكبة فلسطين، ولم ينسَ العرب في شتى أقطارهم؛ فلا عجب، إذاً، أن يسير على غير درب، ولا عجب أيضاً أن تكون حماسته متدفقة وعاطفته قوية جيَّاشة تجاه فلسطين ونكبة أهلها بعد أن شارك بنفسه في الحرب الفلسطينية عام 1948 في معارك «باب الواد واللّطرون»([43])، التي كان لها أكبر الأثر في نفسه، وهي نفسها التي أوحت له بهذا الشعر المتدفق وجعلته يشدو به. يقول([44]):
«لطرون» أروع فتحة بل صرخة العزم اللجوب
لولاك أنت لما شدوت وُجْدتُ بالشعر الخصيب
فلأنت مفخرة الحروب، وجذوة الثأر المصيب
والشاعر، إلى جانب هذا، مؤمن بمبدأ وعقيدة يعمل بوحيٍ منهما، يقول (ص51):
ما العمر إلاَّ مبدأ وعقيدة من عند واح([45])
والعمر لا يحلو إذا ما زانه طول الكفاح
وإذا ما حاولنا أن نطبِّق إيمان الشاعر في ما يذهب إليه على قضية فلسطين، نجد شعراً حيَّاً ينبض بالصدق والعاطفة، ويصور مختلف أبعاد القضيَّة الفلسطينيَّة. ينقلنا الشاعر في ديوانه من موضوع إلى آخر، ويعبِّر في كلِّ موضوع عن نفسية عاصرت النكبة وشهدت أحداثها وشاركت فيها.
أول ما نشير إليه منزلة فلسطين عند الشاعر، فهي قلب العرب، وهي أمه وأبوه (ص92):
ما فلسطين سوى قلب العربْ
وهي نجمٌ وضياءٌ ما احتجبْ
وهي عندي يا أخي أمٌّ وأبْ
ويذهب إلى أكثر من هذا حين يقول إنها قسمه بعد قرآنه (ص96):
في فؤادي من فلسطين نغَمْ....
وهي عندي بعد «قرآني» قسمْ
وأما أهل فلسطين فهم أهله وصحبه ورفاقه (ص93):
إنهم أهلي وصحبي والرِّفاقْ
في كهوفٍ وخيامٍ لا تُطاقْ
إنَّه الشَّعبُ وفي الشَّعبِ احتراقْ
وينتقل الشاعر إلى موضوع آخر، فيتحدث عمَّن هم الصهاينة وعمَّا فعلوه بفلسطين وأهلها، وما ارتكبوه من جرائم الاستباحة والإفناء (ص80):
هم حثالاتُ شعوبٍ شُرِّدت
وبقايا طُغمةٍ صارت ذئابا
سكنوا بيتي وبستاني الذي
ضمَّ أمي وأبي والجدَّ شابا
واستباحوا حرمةَ الدار وفي
ساحها أفنوا بلا عطفٍ رقابا
وأماطوا عن خفايا قصدهم
حينما انقادوا، لثاماً ونقابا
ويقول (ص117):
طغمةٌ من قوم «صهيون» طغت
وهي ضمَّت كلَّ غدَّار عنيد
وسبتنا موطناً عشنا له
وتراثاً صانه عزم الجدود
ورعيناه، وفي أحضانه
كم تغنينا، وجُدْنا بالقصيد
ويرى الشاعرُ، واثقاً مطمئناً، أن إسرائيل ليست وحدها في الميدان، إنما الاستعمار كله يساعدها ويقف إلى جانبها (ص102):
إن كان صهيون في التاريخ محتقراً
وضلّ في القفر في بيداء كفرانِ
فتلك يا صاحِ أمريكا له سندٌ
وتلك باريس في العدوان برهاني
وتلك لندن من أحقادها هرعت
في البر والبحر، في أجواء شرياني
وفي قصيدة «في ذكرى التقسيم» ما يثير حماسة القارئ، ويؤجِّج نار الحقد في صدره، ففي هذه الذكرى المشؤومة التي تحلُّ في كلِّ عام صور ومآسٍ جمَّة من خزي وعار وجراح وخيام (ص176):
قيل ذكرى، قلت في الذكرى البلاء
وبها خزيٌ، وعارٌ واعتداء
واقتطاعٌ من تراث الأنبياء
وحطامٌ وخيامٌ واستياء
وشجونٌ وتأسٍّ وفناء...
غير أن هذه الذكرى- على ما فيها من ألم ولوعة- دعوة نداء مجلجلة وحافز ثأر قوي، وصوت هادر يدعو الأوفياء لطرد الدخلاء، ويستصرخ الأمة لبذل الغالي والنفيس وتقديم الأرواح قرابينَ فداءً لفلسطين:
قيل ذكرى، قلت في الذكرى النداء...
وهي صوت الحقِّ يدعو الأوفياء
إنها تدعو لطرد الدُّخلاء
وتنادي أمةً تهوى الفداء
ولا ينسى الشاعر في هذه القصيدة «وعد بلفور» المشؤوم فيقول:
إيه «بلفور» يا وعد العداء
يا رحى الشؤم بأرضي والسماء
وتقود الحماسة واللوعة الشاعر إلى أن يعبِّر عمَّا في هذه الذكرى من ألم واعتداء، مندِّداً بموقف «هيئة الأمم المتحدة» من قضية فلسطين (ص181):
عادت الذكرى وفي الذكرى ألمْ
وانتهاكٌ للأماني.. للقيمْ
واعتداءٌ صارخٌ مرٌّ ودمْ
وانتقامٌ أنطقَ الصخرَ الأصمْ
صاغه الغدرُ وغنَّته الأممْ
قررته هيئة منذ القدمْ...
هيئة قد أُجِّرت فيها الذِّممْ
هيئة الوهم وبرهان النِّقمْ
خيَّم الحقدُ عليها واحتدمْ
وبها العدلُ تلاشى وانعدمْ
وشكا الحقُّ وأغضـى وانهزمْ
ولم ينسَ «مجلس الأمن» الذي نعته بما يستحق:
مجلسَ الأمنِ دع الشكوى ونمْ
وتأدب.. أو تراجع في ندمْ
أنت حُكِّمت ويا بئسَ الحكمْ!
أنت إجحافٌ ومسخٌ ونهمْ
أنت فأسٌ بيد الباغي القزمْ
وسلاحٌ في ميادين التُّهمْ
كل هذه المآسي والذكريات التي رددها الشاعر بنغم حزين مؤثر وبنفس ثائرة مؤمنة تجعله يضيق ذرعاً ويجأر بأعلى صوته (ص194):
وضاق الكون من سقمي وحزني
وجرحي ليس ينفعه الضُّمادُ
فلا هند المليحة لي دواءٌ
ولا ليلى الحسان ولا سعادُ
سباني المجرمون حصاد زرعي
وفردوساً يحرِّرها الجهادُ
فلا الهيئات تحفظ لي حقوقاً
ولا الأنَّاتُ يبرئها الرُّقادُ
ويتساءل الشاعر بغضب ونقمة، ولسان حاله يقول: إلامَ هذا الهوان؟ وإلى متى نبقى مشردين تظلِّلنا الخيام؟! أما لهذا الليل من آخر؟ أما آن لليل أن ينجلي وللقيد أن ينكسر؟ يقول:
فهل نبقى تظلِّلنا خيامٌ
وفي «يافا» قصورهمُ تُشادُ!
و«حيفا» أصبحت للغدر بيتاً
وأعدانا على الميناء سادوا
ونحن الكهف مسكننا وفيه
يُنهنهُنا بمسكننا الحيادُ
ومليونٌ من الأرواح منَّا
على جمر الغضا نزلوا وشادوا
إن الشاعر الروسان، كما يبدو من شعره، من الدُّعاة الأوائل لتحرير فلسطين، وصوته لا ينفكُّ يرتفع عالياً في كلِّ قصيدة يذكِّر بدنوِّ موعد الثأر، ويدعو إلى تجديد العزم لتخليص فلسطين (ص3):
يا رجالات اعملوا
واستعدوا بشممْ
واجعلوا العليا لكم
كلما الخطبُ ألمْ
ها هو النور بدا
وبه خافي الحكمْ
موعد الثأر دنا
وتهاوى من ظلمْ
يا أخي يا ابن الفدا
يا رفيقي لا تنمْ
ويقول من قصيدة أخرى (ص91):
يا بني العُرب وآساد البطاح
يا حماة الدَّار، والحق الصُّراح
هتف الداعي ونادانا السلاح
ويقول (ص91):
جدِّدوا العزمَ على مرِّ الدهور
واستمدوا الحزم من ماضي العصور
وادفعوا للثأر فرساناً تثور
ويرحِّب الشاعر في قصيدة «كيف ننسى» بالموت من أجل الوطن ما دامت العلياء فيه السببا (ص92):
مرحباً بالموت من أجل الوطنْ
عند خط النَّار في أحلى سكنْ
كما أنه مؤمن بالجولة الثانية على وهاد فلسطين في موعد قريب يكون فيه النصر المؤزر الأكيد وانتصار الحق على الباطل، فهو مؤمن بأن (ص26):
لا بدَّ من نار ونور
لا بدَّ من أُسد تثورْ
لا بدَّ من نار ونور
تجتثُّ فلسفة الغرور
وتفت ما ارتكب الفجور
وغداً ستنطلق النسور
لتحقِّق الأمل الكبير
هذه هي الجوانب البارزة المتصلة بفلسطين التي عالجها الشاعر الروسان في «على دروب الكفاح»، والأمثلة عليها كثيرة، غير أنني آثرتُ ألَّا أورد منها إلاَّ ما يفي بالغرض. ولا يفوتني أن أشير إلى أن في الديوان قصيدة طويلة يمكن إدخالها في باب المطولات، عنوانها «أعوام النَّكبة، ص134-150» استعرض فيها الشاعر أعوام نكبة فلسطين السبعة عشر (1948-1964) واحداً واحداً، وهي وحدها جديرة بالدَّرس والتحليل، لكنها في مضمونها العام لا تخرج عمَّا رصدتُه من شعر الرجل في فلسطين.