أنت هنا

قراءة كتاب في نشأة الكون والحياة والإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في نشأة الكون والحياة والإنسان

في نشأة الكون والحياة والإنسان

كتاب " في نشأة الكون والحياة والإنسان " ، تأليف حميد زناز ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، ومما جا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 4

في البحث الأبديعن الفردوس الضائع!

جون دوليمو، مؤرخ شغل في الكوليج دو فرانس كرسي "تاريخ الذهنيات الدينية في الغرب الحديث"، اختصاصي في تبلور الوعي الديني الأوروبـي في عصر النهضة أساسا، عضو الأكاديمية الفرنسية. من مؤلّفاته الغزيرة "تاريخ الجنّة" في ثلاث أجزاء، و"الكاثوليكية من لوثر إلى فولتير"، وآخرها "في البحث عن الفردوس" سنة 2010.

نظرت الديانات التوحيدية خلال فترة طويلة إلى بداية التاريخ الأرضيّ على أنّها حالة فردوسية. كانت تهيكل المجتمع رؤية متفائلة للغاية؟

نعم وقد حاولت أن أتابع هذا الحنين إلى الفردوس على المدى الطويل وهي الفكرة العزيزة على المؤرخ بروديل. في مرحلة أولى، كانت البداية تُتصوّر وتُفهم على أنها سعادة. ويشمل سفر التكوين كلّ خلق العالم وفي النهاية خلق الإنسان. ويحدث ذلك في "جنّة" وهي كلمة تعني "حديقة" من حيث الاشتقاق في الفرنسية. فبلاد عدن هي في الواقع حديقة مثيرة للإعجاب يتمتع فيها آدم وحوّاء بجمال مثالي، ولا ينال التعب منهما مهما بذلا من جهد فضلا على أنهما يعيشان بلا خطايا وعلى مقربة من الله. لا يموتان، ويعبران إلى الحياة الأبدية دون مكابدة أو عذاب. ولكن ها هما يرتكبان الإثم ويطردان من الجنّة ويقدّر عليهما الموت. وهكذا إذن أوصدت أبواب الجنة بحائط من نار عظيم ومنع دخولها بسيف ملاك.

لئن استحال الوصول إلى بلد السعادة الأرضي المثالي، ماذا عن الاقتراب منه؟

بقي الرجاء مترسّخا جغرافيا لمدة طويلة. وهكذا انتشرت فكرة إبان العصور الوسطى تقول بوجود أراضٍ في مكان ما من الشرق على حافة الجنّة الأرضية. لا يمكن ولوج الجنة أبدا بيد أنه يمكن الاقتراب منها دون شك. وهكذا تم وضع أسطورة "مملكة الأب يوحنا" وهو اختلاق تاريخيّ إذ لم يوجد هذا الملك إطلاقا، لكنّه هو وبلده الأسطوري الرائع جعلا الناس يحلمون! وتحوّلت مملكته في مخيال الناس إلى بلد الخصب والنعيم حيث أنهارٌ آتيةٌ من الجنّة الأرضية تجرف في مسارها خيرات آتية بدورها من أعالي الأنهار. وقد ظلّ الناس يؤمنون بوجود مملكة الأب يوحنا حتى القرن السادس عشر الميلادي.

ألم يقلص اكتشاف أراض جديدة من حقل الخيال الفردوسي؟

لا بالعكس، أرى علاقة بين الحنين إلى الجنة الأرضية ورحلات الاكتشاف الكبرى. فنحن نعرف أن كريستوف كولومبس كان يريد الوصول إلى الهند والصين من الغرب فوجد نفسه في أمريكا. كان يأمل أن يجلب الخيرات من الشرق الأقصى لتكون المال الضروري الذي يعين ملك إسبانيا على استرداد مدينة القدس والأماكن المقدسة. بيد أنه حينما اكتشف مصبّ أورينوكو حيث تتجمّع كميات هائلة من المياه العذبة، ظنّ أنه قريب من الجنة الأرضية، والتي كانت مشهورة بكونها منبع كل مياه الكون العذبة! ومن هنا قوله الذي يؤكد أنه إذا استطاع أحدهم - بموافقة ربانية - أن يصعد الأورينوكو سيصل حتى الجنة الأرضية وخيراتها. وكان لأمريغو فيسبوتشي وهو أحد من ساروا على دربه نفس الشعور وهو يمرّ بمحاذاة السواحل البرازيلية إذ صرّح: "وأنا شخصيا أعتقد بأنني قريب من الجنة الأرضية". وقد سحرته في هذه الأماكن "الأشجار بعددها اللامتناهي وكثرة الطيور وتنوّعها". ومن بينها الببغاوات التي ستلقب قريبا بـ"طيور الجنة". وهناك سببان لتفسير مماثلة هذا الطير بحيوان فردوسي: أوّلا هو يُعمّر طويلا جدّا - يعيش أكثر من مالكه في أغلب الأحيان - وثانيا هو يتكلم. وفي الجنة الأرضية تتكلم الحيوانات.

تُبيّن في كتابك الأخير أن الجنة الأرضية قد حُدّدت تارة كمكان وأخرى كحالة مستقبلية.

نعم..الروايات المتعددة للعهد الذهبـي هي التي تصورت الجنة الأرضية على أنها ألف عام من السعادة في المستقبل. في اعتقادي كان من بين الأجيال المسيحية الأولى كثير من الألفيين (المؤمنين بعهد المسيح الذهبـي الذي يدوم ألف عام) خصوصا القديسة إيريني، ترتوليان ولا كتانس، معلم ابن قسطنطين. وبعد ذلك انفصلت الكنيسة عن "نظرية الالفية" تحت توجيهات القديس أوغسطين. ولكن عادت إلى الظهور مع جواكيم دو فلور، راهب عاش في جنوب إيطاليا في القرن الثاني عشر. والذي أعاد الحياة لتلك الفكرة القائلة بزمن سعادة على الأرض يكون بمثابة الوسيط بين تاريخنا المضطرب ونهاية العالم. ويحدد بداية مرحلة السلم التي تشهد مجيء السعادة التأملية والتي تشع فيها الروح والرحمة في قلوب كل البشر.

الصفحات