أنت هنا

قراءة كتاب شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

كتاب " شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر) .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 1

المقدّمة

حتّى في الموت رسائل!

هكذا يرى بعضهم في قرار الترحّل عن الحياة، سبيلًا للخلاص والانعتاق. وفي حين يبدو هذا العنف المُوجَّه نحو النفس قرارًا ذاتيـًّا للتخلّص من بؤس البقاء على قيد الحياة، فإنّه يكون في كثير من الأحيان رسالةَ إنذارٍ، أو غضب حيال المحيطين بالشخص المنتحر.

وفي ظلّ أزماتٍ اقتصادية خانقة، وتضييق سياسيّ على المشاركة في الممارسة الديمقراطيّة، وغياب ملامح العدالة الاجتماعيّة وتكافُؤ الفرص والحسّ المشترك والقيم الجماعيّة، يلوح الانتحار في الأفق بالنسبة إلى مَن يشعرون بالقلق والجزع ويَنشدون الخلاص أو يريدون التعبير عن رفضهم لواقعهم الأليم.

إنّ الانتحار ينجم، عادةً، عن كون المنتحر ترك نفسه ليُحشَر في فخٍ، حتّى يبدو الانتحار بالنسبة للمنتحر حلّا أو مهربـًا، سواء من الإخفاق أو العزلة أو الأزمات النفسيّة والجسميّة والماليّة، التي يرى الفرد أنّه عجز عن مواجهتها أو التكيُّف معها.

وبين هذا وذاك تكون النتيجة واحدة: وهي الموت.

والعرضان الأشد خطورةً للانتحار هما الإحساس بفقدان الأمل، والإحساس بقلة الحيلة. فإذا اجتمعا معًا، انهارت قلاع الإنسان، واستسلم لأفكار قد تقوده إلى إزهاق روحه، على رغم أن فطرتنا الحقّة ترفض الإفناء الإراديّ للذّات.

ولعلّ ما زاد الطين بِلّة، حالنا التي لا تخفى على أحدٍ، من تقوقُع للشرائح الاجتماعيّة بعضها على بعض، سواء على أساس فكريّ أو طبقيّ معيشيّ أو وظيفيّ أو مهنيّ أو قبليّ أو عائليّ. نضيف إلى ذلك أنّنا نرزح تحت قيود مفروضة محسوسة ولكنّها ليست بملموسة: مثل الأعراف الاجتماعية والتقاليد، والمحظورات السياسية. ولهذه القيود آثارٌ نفسيّة واجتماعيّة جانبيّة، تعتصر كثيرين، وتُجبرهم على الرضوخ لسلسلة من الأوامر والنواهي والضغوط التي قد تقود بعضهم إلى ضعفٍ إنسانيٍّ، واستسلام لفكرة الانتحار.

هذه الظاهرة المُؤسِفة نهشت في جسد الوطن العربيّ الكبير، بتعقيداتِ واقِعِه، وثقل تجربته التاريخيّة، وأدّت إلى حوادث محزنة، وأوضاع مأساويّة، تستدعي النظر في الأسباب، والبحث عن حلول، حتّى نحمي أنفسنا وأحبتنا من خطرٍ داهمٍ وموجة عارمة تصبغ أيامنا بالسّواد.

كان الموتُ يتخطّف أبناء هذه الأمة بإرادتهم طوعـًا وقسرًا، ويجذبهم إلى سراديب النهاية ومداراتها. وإذا كانت الأزمات حقـًّا وحقيقة، فإنّ الانتحار بدا حنقـًا وطريقة للتعبير عن السخط واليأس والاكتئاب، ومثالًا على قلّة الحيلة تارة، ودليلًا على ضعف الإرادة تارة أخرى.

إنّ الجروح المعنويّة العميقة والشديدة التي يتعرّض لها الإنسان، يمكن لها أن تدفعه للتفكير في إنهاء حياته بنفسه، بكامل سلطانه على ذاته، وفي هذا بعض التبرير لدى مَن يرصدون ظاهرة الانتحار في المنطقة العربيّة. ويبدو أنّ رؤية الإنسان اليائسة للواقع والأحداث والظروف الخاصّة والعامّة التي يمرّ بها، قد تجعل فكرة الانتحار بديلًا مقبولًا عن واقعه والكروب التي يمرّ بها.

الصفحات