أنت هنا

قراءة كتاب شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

كتاب " شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر) .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

وتبرهن البحوث الأنثروبولوجيّة على انتشار السلوك الانتحاريّ في كثير من الجماعات البدائيّة، إذ يشير مالينوفسكي (1949) إلى شيوع الانتحار في جماعات جزر التروبرياند. وأكّدت بندكت (1953) انتشاره على نطاق واسع في جماعات الدوبو Dobu جنوبي المحيط الهادي وفي جماعات الكواكيوتيل Kwakiutil شمال غربي كندا، وذلك لأسباب مختلفة. وعادة ما كانت أسباب الانتحار في هذه الجماعات تتراوح ما بين قتل النفس للخلاص من موقف مشينٍ غير محتمل، أو التخلص من منازعات عائليّة، أو تضحية شخصيّة، أو عقابـًا ذاتيـًا على شعور عنيف بالإثم، أو ردِّ فعلٍ لمشاعرَ فاجعة نتيجة انفصام روابط عاطفيّة خاصة، أو نتيجة انهيار السلطة أو المكانة الاجتماعيّة بسبب فقدان ثروة، أو قد ينتحر المجنيّ عليه انتقامًا من الجاني فيضطر الأخير إلى الإقدام على مصير مماثل... إلخ(13).

وفي جماعة الويو Wayau كان المُعتدي على المحارم يُجبَر على الانتحار تحت ضغطٍ اجتماعيٍّ شديد. أمّا عند قبائل الإسكيمو التي تسكن المناطق القطبيّة، فإنّ المسنين والمرضى الذين يشعرون أنّهم أصبحوا عالةً على ذويهم ولم يعودوا قادرين على العمل ينتحرون بأن يَدفن الواحدُ منهم نفسَه في الثلج ويظلّ هكذا حتّى يموت وهدفه من ذلك أن لا يكون عالةً أو عبئًا على أبنائه. وكذلك الحال في أوقات نقص الطعام بوجه خاصّ، تقع حالات الانتحار لدى الإسكيمو؛ توفيرًا لطعام غيرهم.

وعند هنود ساحل أمريكا الشماليّ الغربيّ، كان من الشرف أن ينتحر الأسرى والخدم عند وفاة سيّدهم ويُدفنون معه في المقبرة نفسها. وبين قبائل أمريكا الوسطى كان موت الزعيم يقتضي أن تُقِبل زوجاتُه وأقاربُه وجواريه وأصدقاؤه على تنفيذ الموت الإراديّ(14).

والانتحار معروف أيضـًا في الحضارة الإغريقيّة، التي كانت تُعدّه وسيلةً عقابيّةً على الجرائم الكبرى وطريقة ـ في الوقت نفسه ـ للتخلُّص من وطأة ظروف غير محتملة. أمّا في روما فإذا عرض للشريف أن تورّط في موقف مَشين يمسُّ سمعته ويُهين كرامته، فإنّه قد يلجأ إلى الانتحار تخلُّصـًا من ظروفه السيّئة وإثباتـًا لحرّيته، وتأكيدًا لكرامته الشخصيّة. وشهد العرب في الجاهليّة وصدر الإسلام حوادث انتحار، وإن تكن نادرة.

وإذا كان بعضهم رأى «أنّ الانتحار نزعةٌ فاسدةٌ وعادةٌ مستهجنةٌ، رمتنا بها المدنيّة الغربية فيما رمتنا بها من مفادها وآفاتها»، فقد جانبه الصّوابُ من نواحٍ عدّة. ففي الغرب، اعتُبر الانتحار جريمة كبرى. ويرى اليابانيّون أنّ الشرف والدّين يدفعان إلى سيبوكو، وهي واحدة من أبشع طرق الانتحار وأشدِّها إيلامـًا، ويعتقدون بضرورتها، واحترامها كوسيلة للتكفير عن الأخطاء والفشل، وكنوع من الاحتجاج خلال حقبة الساموراي.

وفي القرن العشرين، أصبح الانتحار شكلًا من التضحية بالنفس واستُخدم كإحدى صور الاحتجاج، ثم انتشر شكل الكاميكازي والهجوم أو التفجير الانتحاريّ لأغراض سياسيّة وعسكريّة تستند إلى مفهوم دينيّ لدى بعضهم يمجدّ مثل هذا العمل باعتباره ردًّا على أو استهدافًا لمعتدين. أمّا ساتي فهو تقليد جنائزيّ هندوسيّ، وفيه تُقدّم الأرملُ أنفسَهنّ قربانـًا في نار حرق جثة زوجها، إمّا طوعـًا، أو تحت ضغط من أسرة زوجها(15).

بوجهٍ عامّ، تباينت المواقف من الانتحار تباينـًا شديدًا بصورة عكست التاريخ الثقافيّ النفسيّ للمجتمع. وفسّر علماء الاجتماع ذلك بأنّ رفض الانتحار كان سائدًا في المجتمعات التي تسود فيها الخرافات والسحر وترتبط فيها هذه المُعتقدات بالفزع والصراعات النفسيّة الحادّة والرغبة في إبعاد الشرور التي تنجم عن الانشغال بموضوع الموت. وكان هناك حرصٌ في هذه المجتمعات على إبقاء روح الرغبة في الانتحار سجينة حتّى لا تعود تطارد الإنسانَ الحيّ(16).

الصفحات