أنت هنا

قراءة كتاب السرد التاريخي عند بول ريكور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السرد التاريخي عند بول ريكور

السرد التاريخي عند بول ريكور

كتاب " السرد التاريخي عند بول ريكور " ، تأليف جنات بلخن ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من م

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

المقدمة

سارت الفلسفة في طريق التعدد، فاختلفت اتجاهاتها ومناهجها، وتعددت مفاهيمها وخصائصها، وهي في هذا وإن بدت ذات صبغة إنسانية فإنها لا تخلو من خصوصيات الفترة التي تنتمي إليها والحضارة التي تنتهي إليها، إذ أن لكل مرحلة توجهاتها في طرح المواضيع ومعالجتها؛ حيث سيطرت الطبيعة ومشكلاتها على البدايات الأولى للفلسفة، فانغمست في دراسة الطبيعة والكون دون الانتباه إلى الإنسان، ولكن هذا الأخير قد أثبت انعجانه بالطبيعة والتصاقه بها. هذا الانتماء هو الذي حدد طريق البحث الفلسفي في عصور متأخرة وجعل من حضور الإنسان ضرورة لا يمكن إغفالها، لذلك ظهر ما يسمى بالعلوم الإنسانية والاجتماعية؛ وهي العلوم التي يكون موضوعها الأم، الإنسان ككائن سيكولوجي سوسيولوجي وتاريخي.

ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحس بوجوده ويجعل لهذا الوجود قيمة؛ فإن هذا الوجود يؤسس لتاريخيته وذاكرته عبر أبعاد زمكانية تعطي للتاريخ وكتابته وسرده طابع الخصوصية في الدرس الفلسفي المعاصر، إذ يعد التاريخ من المواضيع الحيوية والهامة التي تقع في دائرة اختصاص الفلسفة باعتباره أهم اكتشاف إنساني- على حد قول جون ديوي John Dewey- إنه ذاكرة الشعوب والمجتمعات ودليل وجودها.

غير أن المقاربات الفلسفية التي تناولت التاريخ كانت لها توجهاتها هي أيضا بحسب مرجعيتها الابستمولوجية والميتودولوجية وحتى الإيديولوجية. فمن المقاربة المثالية التي فشلت في الوصول إلى فلسفة تاريخ تعبر بصدق عن حقائق التاريخ وقضاياه؛ لقيامها على تصورات مثالية تحصر اهتمامها في الوعي والنشاط الروحي كقوة أساسية محددة للعملية التاريخية، أما النشاط العلمي فلا يتم إدراكه إلا كممارسة فكرية خالصة. وبالتالي، فليس تغيير العالم هو الذي يشكل محتوى الوجود التاريخي للإنسان وإنما تغيير الوعي عن العالم، إلى المقاربة العلمية التي عملت على إقامة جسور متينة بين مناهج البحث التاريخي ومناهج العلوم الطبيعية نظرا لما حققته هذه الأخيرة من نتائج. والحقيقة أن هذا الترابط والتفاعل بين فلسفة العلم والفكر التاريخي قد بدأ في أوربا منذ القرن السابع عشر حينما اتجه بعض المؤرخين إلى تطبيق قواعد المنهج العلمي على البحث التاريخي.

ولئن كانت المناهج التجريبية قد نجحت في ميدان العلوم الطبيعية فإنها فشلت ولو نسبيا في ميدان العلوم الإنسانية وذلك لأن عالم الإنسان يختلف عن عالم الطبيعة، ولأن الظواهر التاريخية تختلف عن الظواهر الطبيعية باعتبارها حوادث ماضية لا يمكن ملاحظتها مباشرة، فضلا من كونها حوادث فريدة لا تتكرر، فالتاريخ في نظر هؤلاء لا يمكن أن يُرشح للدراسة العلمية، لأن الحتمية التي هي مبدأ أساسي في علوم المادة والتي تقضي بأن نفس العلة تؤدي إلى نفس المعلول يبدو أنها لا تنطبق على التاريخ؛ مادامت الحادثة التاريخية إذا مضت لن تعود، حتى إذا توصل المؤرخ مثلا إلى إيجاد بعض الروابط بين عوامل الحرب- مثلا- كان من التعسف أن يعتبرها قانونا ثابتا، فاستحالة التجريب يحول دون الوصول إلى القوانين. وبالتالي، إلى مرحلة التنبؤ بمستقبل الحادثة. ونظرا لهذه الخصائص، فإنه من الصعب أن تتم دراسة التاريخ بروح علمية نـزيهة ذلك لأن المؤرخ في نهاية المطاف إنسان، والمبالغة في جعل التاريخ علما من نفس طبيعة العلوم الأخرى، سيقضي عليه كعلم خاص له ظواهره الخاصة التي تبقى ظواهر إنسانية قام بها إنسان ويدرسها إنسان.

الصفحات