كتاب " السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين " ، تاليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السرد العربي القديم: من التراث إلى النص تجربة سعيد يقطين نموذجا
د. حاتم الصكر
(ناقد وباحث عراقي)
-1-
لم يحظ السرد العربـي القديم بالعناية الكافية من الباحثين العرب المعاصرين، رغم الاتفاق على وجوده وتوفر نصوصه، المندرجة ضمن أنواع وأجناس سردية مختلفة؛ كالأخبار والنوادر والحكايات والأمثال والمسامرات، وأنواع القصص المتقدمة كالمقامات وقصص الحيوان والقصص الخيالية والشعبية والمنامات والرحلات والسير وسواها. وقد يرجع ذلك في بعض أسبابه إلى استمرار النظر إلى الموروث الأدبـي العربـي على أنه متمركز في الشعر فقط، أو أن الهوية الثقافية للتراث تتجلى في (أو من خلال) الشعر، في المقام الأول، لما تميزت به الشعرية العربية من قوة ونفوذ وانتشار، وفرها لها تاريخها وانتظامها الداخلي، ونصوصها المنوعة عبر العصور، وقوانينها ولغتها وإيقاعها، والذرى النوعية التي وصلتها القصيدة العربية الموروثة.
ولكن سبباً آخر لتراجع الاهتمام بالتراث السردي، قد يشترك فيه هذا التراث مع الموروث النثري العربـي كله، وهو هيمنة الشعر أصلا في التراث، بسبب الشفاهية التي رافقت أوليات الأدب العربـي، وتحكمت في إنتاج الثقافة العربية؛ فالنثر- وهو القسيم الشقيق للشعر في حاضنة الأدب- لم يتيسر له الانتشار والنفوذ، لما يتطلبه من هيئة كتابية، ليس فقط في تدوينه ولكن أيضاً في تأليفه، لأن الشفاهية كانت حاجزاً يحول دون التفكير بالمكتوب، فتفرض الشفاهية أعرافها وإجراءاتها في عقل الكاتب، قبل الاصطدام بالصعوبات الموضوعية، كندرة الكتاب وغياب التعلم والتدوين الخ..
هذان السببان، المعاصر والقديم، رغم تباعد نشأتهما، ونوعهما، كتعلق الأول بالتلقي المعاصر، والثاني بالشعرية العربية ذاتها، كانا وراء هيمنة الشعر على مساحة البحث المعاصر نقدياً وأكاديمياً؛ حتى صار مصطلح "الثقافة العربية" في مرحلة ما يحيل إلى مفهوم محدد، هو الشعر دون سواه. مما أضر بصورة الأدب العربـي في تلقي معاصرينا والدارسين منهم خاصة.