كتاب " السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين " ، تاليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
-10-
تمثل جهود سعيد يقطين نموذجاً للكد النقدي المتواصل، وتطوير الأدوات والإجراءات المنهجية. فبعد أن مر الباحث بطور الانبهار بالجهاز الاصطلاحي والمفاهيمي الهائل للبنيوية، وما تفرع عنها من دراسات في مجال السرديات، وانصرف إلى بناء اجتهاده النظري الخاص، صاحب ذلك التحول المنهجي اهتمام باللانص أو النصوص الهامشية، والسرد القديم على وجه التخصيص، وجانب السيرة الشعبية منه بالتحديد. ولاشك أن جهده هذا يحسب له في رصيده العلمي والنقدي، فالنص السيري الشعبـي ظل نهباً للحكي الشفاهي أو التدوين (الشعبوي) غير المنقح أو المدروس.. لكن جهود الباحث وعدد من زملائه في المغرب والمشرق، جعلت النظر إلى نص السيرة الشعبية منهجياً وعلمياً، وسواء بالأدوات أو الإجراءات أو الغايات.
لقد كان الكاتب نفسه (في مرحلة اهتمامه بالخطاب والنص كما يعترف في أكثر من موضع) واقعاً تحت تأثير المفهوم الذي ينتقده في (الكلام والخبر) ويقترح فيه هدم ثنائية (النص/اللانص) في التراث السردي العربـي. لقد كان الباحث لسنوات يهتم بما يأخذ صفة (النص) في العرف النقدي الحداثي، أي ذلك المستجيب لحداثة أسلوبية وانتظام بنيوي ونسقي خاص، تصاحبه هموم معاصرة أو حديثة وعبر أشكال متفق على حداثتها (كالرواية والقصة..) وبذلك أقصى من ذاكرته ما لا يعد (نصاً) وفق ذلك. ومنه (النصوص) أو (المتون) السردية العربية القديمة، ومنها نص السيرة الشعبية ذاته. كما أن الجهد الرائع الحيوي والدال على تفتح عقلي حواري مع المقروء، لم يتخلص من الإعجاب بجهد الغرب، فنسب إلى باحثيه فضيلة اعتبار (اللانص) نصاً من خلال تجنيسهم للسيرة الشعبية ودراستهم لها، أو حتى مجرد تنبيههم على متونها. والباحث يغفل بهذا، ما فعله باحثون عرب قدامى في مسائل أخرى أكثر خطورة، تمس جوانب من المهمش والمغيب في الثقافة العربية التقليدية. وسأضرب مثلاً لذلك بنص (الحمق) أو (الجنون) الذي رأى فيه مؤرخون وباحثون كبار ومكرسون (نصاً) جديراً بالدراسة (يراجع كتاب عقلاء المجانين مثلاً أو أخبار الحمقى والمغفلين)، إضافة إلى أخبار الموسوسين وسواهم من الشعراء في بعض المعاجم. فلماذا لا نعد جهودهم محاولة في تنصيص ما لا يُعد نصاً في عصرهم؟. وما دام التراث أشبه بكتاب الصور العائلي الذي يرى كل فرد فيه صورته، فلماذا لا يظل التجنيس والتنصيص مفتوحين كذلك كل اجتهاد ما دام النص السردي التراثي نفسه يحمل غناه وديمومته.. أي ينطوي على نصيته التي تؤكد أدبيته وانتظامه السردي؟ أو (حكائيته) في المفهوم الأخير المقترح من طرف الباحث، وهو دائم التحول في اجتراح المصطلحات والمفاهيم تعبيراً عن قلق دائم، هو سمة طيبة فيما أرى، تسم جيل النقاد العرب الشباب الذي (عقلنوا) و(منهجوا) نقدنا العربـي بعد ضياع ملامحه في غمرة الانفعالية والإنشائية ونقد الشروح والتغيرات والأحكام القيمية التي لم تضف إلى الدرس النقدي شيئاً ذا أهمية.


