كتاب " السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين " ، تاليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
-8-
يستدل الباحث بعد هذا الاستقصاء المضني والربط المحكم للوقائع والأخبار لاستنتاج نظرية نصية عربية، على أن النتاج السردي هائل وضخم في التراث العربـي، ولكن أغلبه ضاع بسبب الرواية الشفهية وعدم التدوين. وان أغلب ما ضاع هو من النتاج ذي الطبيعة السردية، وأن ما اعتبره النقاد العرب والمؤرخون (لانصاً) هو في تقدير تقليد أدبـي محدد لا يوافقه كثير من المتلقين (العوام) لأن هذا التمييز بين (النص) و(اللانص) "يستند إلى أبعاد ثقافية واجتماعية وتاريخية"، يترتب عليها "اصطفاف ثقافي ومعرفي له مبرراته الحضارية في حقب ثقافية وتاريخية معينة"، ودليله على ذلك تبدل النظر إلى النص واللانص، فما كان يعتبر (لا نصاً) -كالسيرة الشعبية مثلاً- سيكون (نصاً) في فترات لاحقة، وبتقدير متغير أو جديد، وهذا التقسيم سينسحب على العصر الحديث أيضاً، ولدى المعاصرين أو المحدثين، لأنهم جميعاً واقعون تحت مبدأ (الملاءمة) أي إلى قياس مدى ملاءمة النص للنص النموذج، ومدة ملاءمته المنهجية كموضوع للبحث والدراسة.
أما الغربيون فقد أعطوا (اللانص) صفة النصية خلال دراستهم، كما حصل عند معاينتهم للسيرة الشعبية، على سبيل المثال، وهي التي سينشغل سعيد يقطين بمادتها الحكائية وتجنيسها، وتصنيف مفرداتها لاحقاً.. وكأنه يريد بذلك أن ينسب للدارسين الغربيين في مجال السرد الفضل في كشف نصية اللانص، مثلما كان للباحثين الغربيين الفضل في كشف شعرية المهمّش والمقصي في المتون الشعرية العربية..
إن الباحث يرى أن التمييز بين (النص واللانص) تعود في جذورها إلى الثقافة العربية المبكرة، بدءاً بمرحلة جمع وتدوين آيات القرآن الكريم وحرق المصاحف المغايرة للمصحف العثماني، ثم تصنيف الأحاديث بحسب مكانة رواتها وصلاتهم بمن يروون عنهم ونوع المروي..
-9-
يرى الباحث أن السيرة الشعبية تعد مثالاً لتبدل الموقف من (اللانص) وصيرورته (نصاً) وترتب على ذلك تغير النظرة إلى السيرة الشعبية العربية، واهتمام الدارسين بها بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لأسباب تتعلق بالوعي أو النـزوع القومي -التحرري في مواجهة الاحتلال والاستعمار، وبفعل بروز مقولة (الشعب) العربـي المحملة بشحنات تحررية وسياسية وإلى ما في السيرة الشعبية ذاتها من (بعد قومي وبطولي) يضاف إلى ذلك ما طرأ على مفهوم الأدب نفسه من تغير، وما حظي به الأدب الشعبـي من مكانة خاصة.
ولاشك أن النـزاع أو الصراع مع الغرب منذ عصر النهضة حفز الباحثين على البحث عن جوانب دفاعية كان منها السيرة الشعبية.. وما تبعته من عزائم وهمم في النفوس. هكذا غدا (اللانص) الذي لا يوافق الاشتراطات النصية التقليدية، (نصاً) له مكانته في الأدبية العربية. وهو ما حدا إلى البحث فيه من حيث مادته الحكائية، وتجنيسه، والبحث في أطره الحكائية، ورواته، وعجائبيته، وجوانب (النصية) فيه.. وهو ما سينصرف اليه جهد سعيد يقطين الأخير في جمع مادة السير الشعبية، ودراستها سردياً ودلالياً، ثم تطوير جهازه الاصطلاحي من داخل حفرياته في نص السيرة الشعبية، وما يترتب عليه من تطوير الآلية المفهومية والإجرائية المستخدمة في البحث.