كتاب " نجمة " ، تأليف كاتب ياسين ، ترجمة السعيد بوطاجين ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
أنت هنا
قراءة كتاب نجمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نجمة
8
رفض لخضر الالتحاق بعمله في الورشة، وكان ذلك أمرا مثيرا للدهشة.
- لن أذهب، قال لخضر، ضاق صدر السيد إرنست. لن أذهب.
- ربما سامحك. ستتزوج اليوم ابنته.
- نعم، قال رشيد. لو جئت غدا سيكون تحت تأثير الوليمة، لن يجرؤ على إيقافك أبدا.
- سأذهب لحضور العرس قليلا، وإذا صادفت السيد إرنست سأحدثه عن لخضر.
أصر لخضر على هز رأسه بمظهر مصمم وهو يأكل بنهم فطيرة باردة. لقد ذهب مراد.
- الغسق. ولم نخرج بعد.
انتهى مصطفى من تقشير البطاطس.
- ماذا سنأكل إن لم يحضر الملتحي القِدر والزيت؟
- من الأحسن لمراد، بدلا من الاهتمام بهذا الزواج بحجة إعادتي إلى الورشة، أن يقول للسيد إرنست إن كان بمقدوره أن يعطينا بعض المال. أريد الانسحاب من هنا.
نام رشيد في زاوية الفراش.
- قال رشيد: هيّا نشعل شمعة؟. هاهو صاحبنا...
وصل الملتحي مرفقا بغريبين: سي صالح وسي عبد القادر الموظفين في البلدية المختلطة. كان الملتحي يلهث. لقد نسي القِدر وأشياء أخرى منتظرة.
ألا تعلمون؟...
انتفض رشيد دون أن يعيد فتح عينيه، وكان مصطفى ينظر إلى لخضر وهو بصدد إشعال شمعة. في حين راح الملتحي يسرد الجريمة، وكأن الليل الذي هزته الشعلة يريد طيّ الخبر الحزين، واستنتج الملتحي الذي أيدته تنهدات الدخيلين:
- لن ينجو هذه المرة... عليكم أن تختبئوا بدوركم. إما ما عدا إن أرسلوا إليكم من أجل الاستنطاق.
نهض رشيد متخطيا الفراش ليتفرس في الملتحي، ونهض لخضر ومصطفى بدورهما. وكان الستة يحدقون يتقابلون.
- محال. كم الساعة؟ تركنا مراد عند مغيب الشمس. كم تكون الساعة الآن يا ترى؟
- حدث كل شيء في طرفة عين. وما زال رجال الدرك هناك.
- الله!
- مع الأسف!... قال سي عبد القادر.
- كل القرية تلعننا في هذه الساعة...
- إلا المتاعب! العراك أولا، الاعتقال وهروب لخضر. والآن مراد... كانت القرية هادئة قبل مجيئكم، كل شيء يقع على الغرباء بطبيعة الحال. الناس تعبوا. هناك من يحجزون زوجاتهم. ذهب الأوروبيون إلى الحاكم مرفقين بأعضاء مجالسهم البلدية. إنهم يطالبون بطردكم، باحترام السيادة الفرنسية، أما بالنسبة إلى إخوتنا في الدين فقد غبتم عن أذهانهم. في الوقت الذي يبتهجون بمغامراتكم سرا، يدينونكم بالعزم نفسه. يقولون إنكم بعتم شيئا ما نظير الحصول على الشراب. السكيرون بدورهم لا يخفون تقززهم، والواقع أن الجميع يلعنكم.
- الله! الله! زايد سي صالح، واستدرك الملتحي:
- لا ينبغي أن تيأسوا. هيّا بنا لقضاء آخر سهرة أخوية... أنا أيضا امتلأت بالهواجس، بإمكان أصدقائي الحاضرين هنا أن يشهدوا، ماداموا لا يتعارفون فيما بينهم. لن يتسبب لي خصومي في أي أذى. لقد تعروا حاليا وتحالفوا. لو أنهم تحالفوا فقط! زوجاتهم اللائي سامحوهن بسخاء اشتد حبهن لهم! إنهن يحاصرنني، يتابعنني بالتداول ليلا، لو أن أحدهم حافظ على عرضه لضعت!
- الصديق المسكين! قال مصطفى وقد انصرف عن مأساته الشخصية...
- كان بإمكان خليلاتي إنقاذي في الأوقات العادية، وها هن اليوم يصوبن خطومهن نحوي، القرون لا تعرف الشفقة...
- تشجع...
- هذه هي الدنيا، تباكى الموظفون، في حين كان الملتحي يقوم بحركات يائسة.
- ليس هذا فقط. لقد رأوني أقوم بزيارتكم...
تواجه الستة، في حين راحت الشمعة تنهار بشكل محزن.
- لم يبق لنا إلا الذهاب، قال مصطفى، وأضاف لخضر هائجا:
- منذ زمان وأنا أنوي القيام بذلك، كان يجب علينا الانسحاب من هنا منذ مدة. لكن الخطأ خطئي، كان يجب أن أصادف ورشة الأوساخ هذه.
كان الملتحي يقطب وجهه بتقزز.
- المؤكد والأكيد أنهم تبعوني هذا المساء كذلك. قالت لهم امرأة الحانة إني أعرفكم، كما أننا شربنا عندها عشية وصولكم.
مؤكد وأكيد.
كان سي عبد القادر يستاك أسنانه.
وكان سي صالح وسي عبد القادر يتبادلان النظر.
كان سي مصطفى يتكلم (ولكنه لم يعد يتكلم أبدا)، ربما أقام وزنا للتصريحات المقذعة المرة التي أدلى بها سي صالح وسي عبد القادر والدخيلان: "لنذهب، اتركوهم يفعلوا، بؤسنا ليس بؤسكم، ليس لنا سوى الإبحار بعد أن أخذنا من قريتكم ذكرى أخرى عن المشاجرات التي لا طائل من ورائها... إنها غلطتكم إن طردنا أسيادكم: لا توجد أبدا عبودية للجميع، وسينتهي بهم الأمر إلى طرد أنفسهم، لا بأس إن وجدت مناوشات قاتلة..."
أخرج الملتحي مندوليته من برنسه ثم زجاجة، وأخرج سي صالح شيئا من جيبه، آه؟ وقفز لخضر.
أعطني هذا السكين، إنه لي، لا داعي لفتح الزجاجة، سنطفئ الشمعة بعد قليل.
- آه! غرغر سي صالح.
وقال سي عبد القادر:
- لا تغضبوا.
- اذهبوا، قال الملتحي وجِما.
فر الدخلاء كالجرذان.
صفق لخضر الباب على أعقابهم.
- كانت له الشجاعة الكافية لشراء السكين الذي باعه مراد...
- ويعرضه أمامنا بازدراء. هذا هو نوع الزوار الذين تأتي لنا بهم...
تكدر الملتحي:
- ماذا تريدون، الخونة يتبعونني دائما، هذا قدري.
قال مصطفى كابحا دموعه:
- والحال هذه، لا يوجد شيء مقدس، ذكرى صديق لن نراه عما قريب... السكين الذي بيع للاحتفال بعودة صديق آخر...
لخضر:
- مع أنه يعرف كل الحكاية، اشترى السكين هذا الذي يسمى رجلا، دون التفكير في إعادته لنا، وجاء ليذلنا به.
قال رشيد وقد استبد به الهياج:
- وهذا ليفتح به زجاجة، كأننا بصدد الاحتفال بتوقيف مراد!
- أحضرت زجاجات أخرى، قال الملتحي ويده في القلنسوة، اعذروني، لم أكن أنوي أن أزيدكم همّا.
الزجاجات ممددة.
المندولية قربها أيضا.
أقلع الملتحي عن الغناء.
فهم أنها سهرة وداع.
- لو لم يكن لي أطفال لتبعتكم... الموت بحادث عنيف ينتظرني، أحسن من أن يقتلني خصومي، لو أنا جئت معكم لاعتدوا على زوجتي...
- لم تكن لأي من العمال اليدويين القدرة على الضحك.
رافق رشيد الملتحي إلى بيته.
وانتظر لخضر ذهابهما ليرتج الباب.
- هات السكين، قال رشيد، من يدري...
- من يدري، قال الملتحي.