كتاب " الموروث وصناعة الرواية " ، تأليف د.
قراءة كتاب الموروث وصناعة الرواية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة
لا يمكن تجاهل ما يسهم به الأدب في الكشف عن أنماط شتى من العادات والسلوك والمسكوت عنه في الثقافة الإنسانية، ولما كان الإبداع الروائي أبرز الفنون الأدبية التي تركز على سؤال الهوية في سياقات تعتمد الصراع وغلبة القوى الأجنبية والتحولات الآنية كالعولمة وهيمنة القوى الكبرى، فقد أدى ذلك إلى تفاعل أقلام عدة مع هذا البعد، فأنتجت دراسات شتى حذرت فيه من تلك الهيمنة التي تمارسها القوى الكبرى والنماذج المستبدة بفعل التراتب القهري، ونظرت إليها بوصفها خطرًا على الذات الثقافية وتدميرًا لتطويرها.
تحاول هذه الدراسة أن تتباعد أولًا عن التذكير، تلميحًا أو تصريحًا، بأهمية الموروث أو تأكيد المخاطر التي تجسدها هيمنة القوى العظمى على الهوية، وذلك لسببين اثنين: يتصل الأول بكثرة ما تم إنجازه في هذا الشأن من الدراسات التي تناولت قضايا الهوية والهيمنة وغيرهما، ولما كانت بعض هذه الدراسات تستحق الوقوف والتأمل لجديتها، فإن الحاجة إلى تكرار مثل ذلك أمر لا يضيف جديدًا، أما السبب الثاني فيتصل بسعي هذا البحث إلى استثمار الجانب الإيجابي في موروثنا الثقافي بوصفه المفتاح الأقرب والأنسب لمعالجة أوضاعنا لمعرفة ما لدينا من إيجابيات تستدعي ضرورة التركيز عليها لمضاعفتها ودعمها وتفعيلها في الثقافة.
إننا نأمل أن نبث روح التفاؤل عوضًا عن التشاؤم في النظر إلى هويتنا الثقافية وأوضاعها. ولذلك تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن سؤالين اثنين في هذا الإطار المتعلق بأسئلة الهوية وتمثيلاتها: ما أهم العوامل الرئيسة الحديثة التي رسخت مفهوم الهوية في الرواية العربية؟ وكيف تجسدت صور الموروث فيها؟ ولتحقيق ذلك فقد تم التركيز على استقراء تلك النماذج وتتبعها لتكشف انعكاسات الهوية في بعض النصوص الروائية العربية المُختارة إلى جانب بعض النصوص الإضافية المتضمنة حوارات مع أولئك الروائيين في محاولة لاستقراء هذا التناول.
يمكن تعريف الهوية بصفة عامة في كونها الطريقة التي يمكن من خلالها أن يحدد الأفراد أنفسهم بوصفهم أعضاء في مجموعة ما نحو (الأمة، الطبقة الاجتماعية، الثقافة، العرق، الجنس وغير ذلك)،1 تقرر هذه المحددات أنواع الهويات التي تخضع لها المجموعات، فالأمة العربية ترتهن هويتها إلى مرتكزات أساسية تجسدت منذ مئات السنين، إذ كانت وحدة العرق واللغة والدين والتاريخ أبرز محددات الهوية العربية مع اختلاف المواقع الجغرافية وتنوعها، ومع الإيمان المطلق بأهمية تلك المحددات التقليدية إلا أن هناك عوامل حديثة أسهمت في إعادة بلورة وتشكيل تلك المحددات وصياغتها لتصبح ملائمة لعصر مضطرب وقوى مختلفة ومتصارعة.