قراءة كتاب الموروث وصناعة الرواية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموروث وصناعة الرواية

الموروث وصناعة الرواية

كتاب " الموروث وصناعة الرواية " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

لقد حفظت تلك المحددات التقليدية الجوانب الثقافية المتداولة والمتوارثة في ثقافتنا وخلقت نوعًا من القبول بمبدأ الوحدة الذي يتجسد عبر تلك المحددات في عصور مختلفة، ومع كون الاستعمار قد نجح في خلق كيانات سياسية متنوعة، إلا أن الاستعمار قد أوجد محددات أخر نتجت من عوامل بنيت مجددًا على ما تم إنجازه في حقب زمنية متفاوتة، ومع كون السلطة السياسية في كل كيان تختلف في توجهاتها عن شعوبها ليؤدي ذلك إلى نوع من «التمايز بين السلطة والمجتمع، فقد أصبحت السلطة منفصلة عن بنية المجتمع، ولم تعد سلطة المجتمع الكلي ولكنها [تحولت إلى] سلطة الأنا النرجسي الذي يشبع رغبته السحرية من خلالها»،2 ومع ذلك فقد كانت درجة الشعور القومي لدى الشعوب العربية عالية جدًا، وظل الأدب والإعلام يشكلان كيانات تابعة، وإن بدت منفصلة في ظاهرها إلا أنها في واقعها تصل أكثر مما تفصل وتجمع أكثر مما تفرق.

كان للعوامل الحديثة التي أسهمت في تطور العالم العربي دورها الذي لا يمكن تجاهله في تشكيل هوية ثقافية واحدة يمكن وصفها بكونها راسخة لا تختلف باختلاف الكيانات المتباينة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، إذ يمكن النظر إلى عوامل ثلاثة بوصفها رسخت من جديد للهوية للأمة العربية الحديثة، ومما يجدر ذكره أن اختيار هذه العوامل قد جاء لتأكيد أدوارها التي أدت إلى تأكيد هوية الأمة على الرغم من اعتبارها لدى كثير من الدراسين غير مؤثرة في ذلك، ومما يجدر ذكره أن هذه العوامل قد أثرت في البلدان العربية كافة ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة، وأقصد بذات العلاقة المباشرة البلدان التي أنتجت تلك العوامل وتأثرت بها مباشرة كمصر ولبنان، أما البلدان ذات العلاقة غير المباشرة فهي البلدان التي اتصلت بدول المركز آنذاك وتأثرت بها، ومن هذه الدول دول الخليج العربي واليمن وغيرها.

ومن الممكن الإشارة إلى العوامل الحديثة التي رسخت الهوية العربية وأسهمت في تجسيدها، ومن تلك العوامل ظهور الطباعة وتطور صناعة النشر، فقد كان ظهور الطباعة ونمو الصحافة في العالم العربي الخطوة الأولى نحو التطوير، إذ إن الأعمال المطبوعة الأولى لم تكن مخصصة للكتب المترجمة، بل وازاها طباعة الكتب التراثية في التراث العربي، استهلت مطبعة بولاق نشاطها منذ 1822م بنشر أعداد كبيرة من دواوين الشعر العربي القديمة والأعمال السردية القديمة مثل «المقامات» و«ألف ليلة وليلة»، وكانت تلك الأعمال أساسًا مهمًا وخلفية معرفية للآداب العربية الحديثة مع اختلاف أجناسها،3 لقد أعادت تلك الأعمال التراثية أغلب القراء والكتاب العرب إلى جذوة اللغة المتوهجة كما في دواوين الشعر الكلاسيكي وإلى القوالب السردية المتميزة كما في كتب «المقامات» لبديع الزمان الهمذاني والحريري وغيرهما و«كليلة ودمنة» لعبدالله بن المقفع.

أما الصحافة فقد تمثلت في البدء في صدور بعض الصحف والمجلات في مصر ولبنان، وكانت «الوقائع المصرية» أولى تلك المنشورات عام 1828م،4 وأسس بطرس البستاني (توفي 1883م) مجلة «الجنان» عام 1870م، وكانت الصحف تترك مساحات مخصصة في قاع صفحاتها الأولى feuilleton لنشر القصص القصيرة والروايات في سلسلة حتى تجذب أكبر عدد من القراء، فعلى سبيل المثال تضمن العدد الأول من «الجنان» عملين سرديين لسليم البستاني (1884م) هما: «رمية من غير رام» و«الهيام في جنان الشام».

أسهمت الطباعة والصحافة والنشر في تأسيس المرجعية الثقافية الواحدة، إذ تجلت للقراء مادتان رئيستان: الأعمال التراثية والأعمال المترجمة، وكلاهما قُدم في لغة عربية فصحى موحدة إلى قراء العربية، ومن ثم بدأ الكتّاب العرب في محاكاة النماذج الأولى، ولما كانت هوية كل أمة تستمد جذوتها من اللغة والهوية صيغة ثقافية تنتج من اللغة التي تجسد ذلك الشعور (النحن) بين أفراد الأمة،5 فقد أصبح هذا الكاتب العربي «شعور بالنحن وليس بالأنا...، فمملكته التي يتحرك من خلالها هي النحن اللغوي، ولذلك فالكاتب يدافع عن المجتمع وهو يدافع عن ذاته، والكتابة هي إعادة إنتاج مستمرة للهوية القومية».6

الصفحات