كتاب " تواضعوا معشر الكتاب " ، تأليف عمرو منير دهب ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع <
أنت هنا
قراءة كتاب تواضعوا معشر الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تواضعوا معشر الكُتّاب
الضربة التي تلقّاها الفلاسفة مع بدايات النهضة الصناعية في أوربا كانت قوية حين انصرف الناس إلى تقدير ما يرونه رأي العين ويفيدون منه ماديّاً من منتجات العلم على حساب الكلام الطويل المعقّد من ذات المنتجات. وبعد مرور زمان طويل أتحفت فيه تلك النهضة الناس بكل غريب وعجيب أوشكت الضربة التي تلقاها كلُّ مَن بضاعتُه الكلام، وعلى رأسهم الفلاسفة، أن تكون قاضية في العقدين الأخيرين تحديداً، وأوشك الناس أن لا يلجؤوا إلى الفلسفة وسائر فروع العلوم النظرية والتنظيرية إلا في استراحات عابرة عندما تُتخمهم خيرات العلوم التطبيقية، وكل ما يمت لها بصلة مباشرة من معارف، يلتمسون في التنظير ما عساه أن يكون تفسيراً غير مؤكد لما حدث وتنبؤاً ينتابه الشك من كل جانب لما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
ولعل حال الناس في تلك الاستراحات العابرة يشبه حال من لا يؤمن يقيناً بالتعاويذ لكنه لا يرى بأساً بأن يأتي المعالجين بالرُّقى متبرّكاً بهم درءاً لعِلل محتملة أو حتى داء عُضال واقع حار فيه الأطباء، وهو يحتفظ في قرارة نفسه ببركات أولئك المعالجين كخطة احتياطية على الجانب دون أن يفكّر في المساومة على أولوية الأطباء بحال.
ماذا أخذ الناس من التنظير على امتداد تاريخه في الوجود البشري؟ كلاماً جميلاً.. معاني هامة.. وربما مبرّراً وحافزاً قويّين من أجل البقاء. ولكن ألم يأخذ الناس من العلوم التطبيقية وكلّ ما انتمى إليها بصلة منذ فجر التاريخ البشري أسبابَ البقاء ذاته؟، ثم عندما تطوّرت تلك العلوم بكل فروعها وروافدها تطوّراً مذهلاً في بضعة عقود أخيرة ألم يكتشف الناس أسباباً جديدة للبقاء ومُتَعاً بعضُها كان خيالاً وبعضها سبق فيه العلماءُ بالإنجاز خيالَ كلّ كاتب وفيلسوف؟.