أنت هنا

قراءة كتاب تواضعوا معشر الكتاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تواضعوا معشر الكتاب

تواضعوا معشر الكتاب

كتاب " تواضعوا معشر الكتاب " ، تأليف عمرو منير دهب ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع <

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

فكرة لم تخطر ببال كاتب

ما ينتاب الكاتب وهو يجلس أمام الورقة البيضاء أشبه بما ينتاب الرجل وهو يتراوح جيئة وذهاباً خارج غرفة العمليات في انتظار مولود جديد كما في المشهد الشهير في المسلسلات العربية، بعض القلق وكثير من الأمل في مولود رائع وبديع.

الحلم العصيّ على أي كاتب هو فكرة بِكر لم تخطر ببال غيره من قبل، ولأن الإبداع على تلك الشاكلة لا يتنـزل على الملهَمين كل يوم وليلة، فإن ما يشغل الكاتب في كل الأحوال عند مواجهة صفحة بيضاء هو معالجة دقائق الكتابة من أجل ابتداع مداخل جديدة على الأقل لتناول فكرة قد تكون مستهلكة. عملية الكتابة سواء ابتكاراً لفكرة جديدة أو مداخل عرض جديدة لفكرة مبذولة هي ما دَرَج الكُتّابُ على وصفه بالمخاض، وهو وصف لا يُبارح كثيراً التشبيه الأول سوى في أن المبدع في الحالة الأخيرة هو المرأة التي تعاني المخاض وليس الرجل الذي يقف على الباب لا يطاله من الألم شيء سوى تصنّع القلق كما ترى المرأة قياساً بما يحيق بها.

دعاني إلى استدعاء الصورة المكرورة أعلاه مبادرة قارئ مهذب بالثناء على مقالاتي لا لشيء سوى التمهيد لموضوع المبادرة الأساس وهو نقد مُلخّصُه الشكوى من قِصَر المقالات على اعتبار أنه قارئ شرِه لا يُشبع نهمَه الفكري سوى الكتابات الدسمة طولاً وعرضاً. وكان ذلك القارئ من الوداعة في الجدال بحيث اكتفى (دون أن يقتنع بالضرورة) بردّي الذي مُحصّلته أن فكرتي من قِصر المقالات على ذلك النحو دعوة أكبر عدد من القراء إلى مائدتها مع الأخذ في الاعتبار بعض الإحصائيات الصحافية العالمية التي تشير إلى أن نسبة قرّاء صفحة الرأي إلى قرّاء الصحيفة مجملاً لا تتعدّى 17 إلى 1000، وإذا كانت مواضيع الصفحة المغضوب عليها عاملاً مهماً في تدني نسبة الإقبال عليها فإن في نفَس كُتّابها الطويل عاملاً لا يقلّ أهمية في تفسير إدارة القرّاء أعينهم صوب الصفحات الأولى والأخيرة وما بينهما مما يحوي ما قلّ ودلّ في زمن أُسرِف في وصفه بالسرعة.

ومالبث أن ابتدرني قارئ صديق آخر لا يقلّ تهذيباً عن الأول غير أنه كان أطول نفساً في المُحاجّة، وطولُ نفَسه هذا ليس حقاً له عليّ فحسب بل مما يجب أنه أشكره عليه لأنه نبّهني إلى أن إغراء القرّاء على كافة سَعاتهم (من طول النفَس في القراءة) بعدم إطالة المقال يبدو متعارضاً مع طريقة عرض الأفكار التي كثيراً ما تتّسم بالصعوبة مما يستدعي معاودة قراءتها أكثر من مرة للوقوف على المراد بها بوضوح، فتكون المحصلة لدى القارئ مقالاً قصيراً مقروءاً مرتين أو أكثر وهو ما يعني في النهاية مقالاً طويلاً.. وربما طويلاً جداً بحسب عدد مرات إعادة القراءة بهدف الاستيضاح.

ولأنني كاتب غير قصير النفَس في المجادلة، من دون أن أبارح التهذيب والإفادة من ملاحظات القرّاء الثاقبة، لم أشأ أن أستسلم بسهولة فنويت أن أطيل النظر فيما عسى أن يكون وراء صنيعي مع مقالاتي على ذلك النحو من أمرَي القِصر والتعقيد في آن بما يبدو مغرياً بالاتهام بالتناقض، وما لبث أن قطع عليّ الطريق ما أورده البروفيسور عبدالله علي إبراهيم ردّاً على من استبطؤوا برنامجه الانتخابـي في أعقاب تصريحه بنية الترشيح لرئاسة البلاد.

يقول عبدالله إنه لا يكتب برنامجه الانتخابـي بل يورّط الناس فيه، وإذا جاز أن أستعير بلاغة الكاتب البديع أقول إنه من الخير أن تُشرِك القارئ (ولا ورطة هذه المرّة) في كتابة المقال بدلاً من أن تقدّمه له جاهزاً لقراءة يسيرة لا تعكر سلاسة الانطلاقة فيها معاودات بهدف الاستيضاح ثم التعقيب نقداً يفتح مدارك ثريّة للإضافة.

الكتابة على ذلك النحو أشبه بالمثل (الصيني؟) الذي يحرّض على تعليم الصيد بدلاً من منح السمكة جاهزة للأكل، وهي أشبه كما في عُرف عبدالله علي إبراهيم بالبرنامج الانتخابـي الذي يتورّط الناس في صياغته تبشيراً بالديمقراطية (التي هي إشراك الشعب في الحكم) وتأصيلاً استباقياً لمبادئها.

وإذا جاز مجدداً أن أستعير بلاغة شاعر عظيم هذه المرة وأعقِّب على بعضها، فإنني أؤكد أنني لا أجرؤ على أن أنام ملء جفوني عن شوارد مقالاتي، لكنه يسعدني مؤكداً أن يسهر الخلق جرّاها.. دون أن يختصموا بالضرورة.

الصفحات