كتاب " تواضعوا معشر الكتاب " ، تأليف عمرو منير دهب ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع <
أنت هنا
قراءة كتاب تواضعوا معشر الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وفيما عدا ذوي المواهب المتفرّدة والفرص الأكثر تفرّداً كانت الحظوظ المادية لمَن امتهنوا الكتابة من رفاق الجامعة إجمالاً أكثر تعسّراً من غيرهم، ولأني وفق التعبير المصري "صاحب بالين" أحدُهما الكتابة فإن شهادتي على الصنعة المغضوب عليها في هذا الحديث أبعد من أن تطالها تُهمة "اللاموضوعية"، كما أفترض ابتداءً، كوني لا أبادر إلى صبّ اللعنات صبّاً على الكتابة كلّما ضاقت أبواب الرزق ومداخلُه وأنا أكسب عيشي أساساً من صنعة غيرها، في المقابل فإن هِبَات الصنعة الأخرى الأكثر سخاءً تدعو إلى النظر إلى تهمة "اللاموضوعية" على أنها على بعد مسافة قصيرة منِّي من جهة أخرى.
ولكن مهلاً، هل من خلاف على أن الكتابة الآن واحدة من الحِرَف الأقل عائداً على أصحابها؟، إذا كانت الإجابة "لا" كما نرجّح فإن السؤال الأحرى بأن يستحوذ على الخلاف يجب أن يكون: "لماذا فشل الكُتَّاب في أن يجعلوا الكتابة مهنة ذات مردود مادي يكفل حياة كريمة إن لم تكن راقية؟"، فإذا سارع البعض في معرض الإجابة إلى تأكيد أن السبب يكمن في إدبار الناس عن القراءة، فإن السؤال التالي يجب أن يكون: "وأي المهن تلك التي استرعى نِتاجها اهتمام الناس واستأثر بإقبالهم؟".
وأيّاً ما كان الجواب فيما يخص المهنة التي استرعت الاهتمام واستأثرت بالإقبال، فإن تلك هي المهنة "الأرجل" من الكتابة، على اعتبار أن بإمكانها أن تجعل من كانوا في مثل حالة ابن الحاجة سعاد "قدر العِرس" خلال زمن يسير عقب التخرّج من الجامعة، وهي المهنة التي رفع أرباب الكتابة الراية البيضاء إزاءها ضِمنياً حين اكتفوا بتقريع الناس وهم يدبرون عنهم صوبها.
ومثلما نوّهنا في المقام القريب سابق الذكر بمن يصبر على قراءة هذه الكلمات بوصفه "الوجه الأكثر تألقاً في كل ما يمت إلى التنظير بصلة من صُوَر في أمثال هذه البقع من العالم"، فإننا نستدرك ونضيف إلى ذلك القارئ الصبور كاتباً أكثر صبراً يكتب غير متذمّر من إدبار الناس أو قلة المال.. دون أن يكون "صاحب بالين" يتّكئ على "الأرجل" منهما في كسب عيشه.