كتاب " تواضعوا معشر الكتاب " ، تأليف عمرو منير دهب ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع <
قراءة كتاب تواضعوا معشر الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وباستعارة تعبير كيفين، فإن الأخطر أن يكون العربـي ضحية للغة العربية نفسها، عندها يغدو الأمر كما لو أن الملك يحاول أن يكون ملكياً أكثر من نفسه، أو أنه لا يثق في عروبته الكاملة ويحاول تأكيد ما فاته منها. وبين هذين يحاول البعض أن يجد مبرّراً مشروعاً للتفاني في استنطاق بلاغة اللغة العربية جرياً على ما يؤكده المثل المصري: "من فات قديمو تاه"، وهي حالة شهيرة في التراث الأدبـي العربـي منذ القِدم يُوجزها القول الذائع: "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، أما المبدأ الذي يذهب أبعد من كل ما مضى في هذا الباب فهو ذلك الذي يؤكد أن القديم أفضل لمجرد أنه قديم، وهو أجرأ ما قيل في سياق المفاضلة بين الماضي والحاضر بما يقطع الطريق كليّاً على المجادلة.
مَن مِنّا مَحلِّيّاً (والموقّع على الغلاف أوّلُ المشمولين بالسؤال الاستنكاري) يسلم من الوقوع، بدرجة أو أخرى، في حبائل الماضي البليغ لغوياً؟، كم كاتباً لدينا يملك جرأة الكف عن دغدغة ما يجب وصفه بالنوستالجيا البلاغية داخله واسترضائها؟، وهل يخلو مقال عندنا (فضلاً عن كتاب) من تعبير أو مثل عتيق تبرّكاً بالأوائل مهما كان السياق موغلاً في المعاصرة؟.
"ضحايا سيبويه" (على نسق "ضحية اللغة الإنجليزية" كما هو خليل عند كولن، بمعنى التفاني في الذود عن بلاغتها العتيقة) صفة لا نستأثر بها كُتاباً فحسب، فهي أدنى إلى أن تنالنا خطابيّين مهما كان مقام الخطابة عاجلاً ومعاصراً حين نصرّ على أن نقف على الكلمة في آخر الفقرة أو الحديث بالضم والفتح والكسر (مع مراعاة التنوين)، وكان هنالك من روّاد التجديد في اللغة العربية من دعا إلى تبنّي الوقف على آخر كل كلمة (وليس فقط آخر الجملة) بالسكون، ولم يكن على روح سيبويه أن تجزع لذلك فضحاياه (على أساس التعريف السابق) وأدوا الفكرة في مهدها.
أليس أجدى من التنقيب في بلاغة التراث العربـي عمّا يثبت أصولنا المتنازعة أن نشرع في تأسيس قواعد للغات غير المكتوبة عندنا؟، إذا كانت تلك مهمة تستغرق أجيالاً لإنجازها فإن من الأنسب أن نمتطي مؤقتاً بلاغة العصر الحديث في كتاباتنا العربية ولو باستعارة التعابير السلسة مترجمة عن اللغات التي أفلحت في الفكاك من أسر "سيبويهاتها"، فمن شأن ذلك أن يدرأ عنا تهمة أن نكون ملكيين أكثر من أي ملك.