كتاب " خطاب الصورة الدرامية " ، تأليف حسن عبود النخلة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف ل
أنت هنا
قراءة كتاب خطاب الصورة الدرامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطاب الحركي للجسد عند اليونان
شكل الجسد عاملاً مهماً من عوامل الخطاب الإنساني منذ أقدم الأزمنة، ولم يكن أداة للقراءة وإيصال المفاهيم بين أبناء الجنس البشري فحسب، بل انه كان مصدر ديمومة الحياة والتفاعل معها بشكل ايجابـي وبمظاهر شتى، فمرة يكون مظهراً من مظاهر كسب العيش الإنساني، وتارة عنصراً مهماً من عناصر التفاوض مع الطبيعة والتآلف معها، وبشكل أخر يكون تعبيرا إنسانياً عما يختلج في نفس الإنسان من فرحة وحزن.
ولاشك أن التعامل مع الجسد والتغيرات والتطورات التي طرأت عليه كعامل من عوامل الخطاب البشري وأداة للكشف عن مكنونات الإنسان وموقفه من الحياة والمجتمع والتعبير عنهما كان رهيناً بمستوى الوعي البشري الذي تحتمه المراحل التاريخية التي يمر بها الإنسان والتي تتحدد من خلالها علاقة الجسد بالتعبير الفني.
فقد شكل الجسد في المراحل السابقة لانبثاق الدراما عند الإغريق أداة مباشرة ومركزية في تحقيق الخطاب الذي تأسس على فهم خاص لعلاقة الإنسان بالكون والآلهة، فكان خطاباً يتسم بالتعبير عن الاحتفالي الديني، والذوبان في الطقس الجماعي بشكل يؤكد الانتماء الى الموضوعة الاحتفالية.
والجسد في الاحتفالات الدينية الإغريقية كان أداة شمولية فكل المحتفلين يندمجون بأجسادهم في صنع هذه الطقوس الاحتفالية. ليعبروا بأجمعهم عن الفكرة ذاتها التي تقودهم إلى الاندماج بذات الإله، لتحل روحه بأجسادهم، فيأنسوا بها، وتمنحهم لذة الحياة وجمالها.
وعبر هذا الاندماج الجسدي الذي يؤسس لموقف يخلو من التعارض ويعلن الولاء التام للآلهة والتقرب إليها ومحاولة الظفر بحمايتها. تكون الأجساد مصدراً للخطاب الجماعي الذي يعبر عن المعتقد الديني الذي يسعى إلى ديمومة الحياة بما يمدها من عوامل الاستقرار التي لن تتم الا بعد ان تستنفد الأجساد طاقتها لتحل بها الطاقة الإلهية ومن ثم تعيد اليها نظام السعادة والنشوة من جديد.