كتاب " خطاب الصورة الدرامية " ، تأليف حسن عبود النخلة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف ل
أنت هنا
قراءة كتاب خطاب الصورة الدرامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطاب التدويني للجسد في المسرحية اليونانية
أولا: برومثيوس مقيدا- تحرر الجسد من التبعية الالهية
قبل الشروع برصد خطاب الصورة الدرامية في المسرحية اليونانية لابد لنا اولاً من الإلتفات إلى أن علاقة الطقوس الاغريقية بالجسد وخلق الصورة الطقسية، وما يقدم لدى اليونان من أضاحي في هذه الطقوس والأعياد الدينية المعدة للإله ديونيزوس، وانتقال الجسد ليكون صورة يناط لها دوراً خطابياً بين ثنايا النصوص المسرحية اليونانية كل ذلك لم يأت من فراغ لاسيما إذا ما عرفنا ان ((ديونيسيوس عند الاغريق.. يموت على ايدي الجبابرة- وهم الهة العالم السفلي، عالم الظلام- ويقطعون جسده، ويلقون أشلاءه في مرجل يغلي وياكلونها، الامر الذي حمل زيوس- والد ديونيسيوس- على الانتقام من الجبابرة عندما احرقهم بصواعقه، ثم اعاد الطفل الميت الى الحياة.))[6].
هذا هو سر ورود الجسد وهيمنته الصورية في أغلب المسرحيات اليونانية وجعله تحت أنظار الآلهة ومناقشة قضيته والتأمل فيه، كما سوف نرى لاحقاً.
ان المتتبع لخطاب الصورة الدرامية في المسرحية اليونانية سيدرك قيمة الوعي الذي وصل اليه الإنسان بل انه سيكون امام فهم ووعي جديدين لوجود الإنسان وعلاقته بمجتمعه ودوره في بناء الحضارة وهو ما تحقق بأولى بواكير الأعمال المسرحية على يد الشاعر الإغريقي (ايسخيلوس)- وان كان الأخير قد تجنب التعامل مع نماذج بشرية صرفة، وكان الصدى الإنساني مُعبراً عنه في نصوصه بنماذج هي اقرب الى أنصاف الآلهة منه الى البشر، لكن الإعلان عن التحرر الإنساني، وامتلاك زمام الأمور طروحات واضحة التأكيد لديه، وفيها تأشير الى الإعلان عن تسجيل الإنسان لموقفه الخاص، وجعلِ جسده على الضد من التبعية بعد ان اعمل جانب الفكر فامتلك هويته الخاصة التي كانت ممحوة بسطوة الالهة، ولعل مسرحية (برومثيوس مقيداً) التي ترتبط حتى بعنوانها بوضع خاص للجسد يشير الى صورة درامية لافتة للانتباه، خير دليل يؤشر لنا هذا الامر، ففيها محاولة واضحة للتكبيل ولمنع الحركة لردع الفكر وإيقافه عند حده، لأنه خروج عن سنة الالهة وضرب لمصالحها واعتداء على حقها الخاص الذي يعنيها دون سواها، فبعد ان يغدو الانسان مفكراً يغدو الجسد واعياً ومتصرفاً ومستجيباً، ومنفذاً للأوامر الإنسانية الخاصة. وعلى اعتبار ان الجسد هو اداة التنفيذ وان الفكر هو اداة التخطيط، ولكون الفكر غير مُسيطَر عليه ولا يمكن محوه بعدَه مجرداً، فإن قمع الاداة المعبرة والمنفذة (المادية) يكون هو الحل الامثل للثأر من الفكر. وهذا ما فعله (زيوس) عندما عصى (برومثيوس) اوامره ونأى بإخلاصه عنه فسرق النار سر المعرفة ووهبها الى البشر، ليدلل على مرحلة جديدة لدور الجسد وموقفه من الاله، انها مرحلة إعلان الإنسان عن وجوده وموقفه وصلاحية تفكيره في تحديد دوره الايجابـي في الحياة، وما تفرضه عليه من عطاء إنساني، فلا ينساق إلا خلف ما هو صحيح، ومقبول بمقتضى قانون العقل لا قانون الإله.
إن هذه المركزية في الصورة الدرامية التي حظي بها جسد (برومثيوس) والاستهداف الموجه إليه يشكل مصدراً للقراءات في هذا النص فعلى الرغم من الخطاب المؤلم الذي نستشفه من الجسد المعذب لا لكونه مقيداً فحسب، بل لأنه صار طعاماً للنسر الذي سلطه (زيوس) لينهش الكبد منه دون فكاك إلا في ساعات الليل، من اجل ان ينبت من جديد في الصباح ويستعيد تكوينه وشكله السابق فيستمر العذاب.