كتاب " من الحطب الى الذهب " ، تأليف د.
قراءة كتاب من الحطب الى الذهب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإهداء
في البدء كانت حكاية إلى سيّدة سعوديّة
سيّدتي. نحن لا نعرف لك اسما، ما نعرفه عنك فقط هو أنّك سعوديّة. في البدء كانت حكاية. لم يمض على حلولي بالرياض أنا وعائلتي الصغيرة إلّا بضعة أيّام. كان ذلك في سبتمبر 2010. قصدت وزوجتي وطفلينا الأورومارشيه لقضاء بعض الحاجات الضروريّة. ولم يكن يدر بخلدنا أنّ طفلنا الذي لم يتجاوز الخمس سنوات من العمر والذي كان يستعدّ للدخول في سنة دراسيّة إعداديّة بإحدى مدارس الرياض كان مشغولا بأدواته المدرسيّة أكثر من انشغالي ووالدته بتوفير القوت له ولشقيقته! سحب طفلنا في غفلة منّا محفظة جميلة واتّبعنا. انتبهت والدته إلى الأمر وكنت أمامهما فقالت له "لم يحن الوقت بعد للدراسة سنشتريها لك لاحقا" وأخذتها منه فأثار ذلك حسرة شديدة في نفسه. لقد تبيّن أنّ ثمنها يفوق ما أخذناه معنا من الأموال. عندما هممنا بالخروج من السوق ظلّت عينا الطفل وقلبه وهذا ما فهمناه لاحقا مشدودين إلى الخلف، إلى المحفظة التي تركها وراءه مكرها أخاك، لا بطل. لقد تبيّن أنّه ثمّة سيّدة سعوديّة كانت تصطفّ وراءنا تراقب المشهد عن كثب. أومأت إلى ابننا خفية فقصدها يحثّ الخطى. التفتنا إلى الوراء فرأيناه يجرّ المحفظة ذاتها وراءه ما أثار استنكارنا ودهشتنا. أمرناه بأن يرجع المحفظة إلى مكانها. تراجع الصبيّ إلى الوراء واقترب من هذه السيّدة وأومأ بيده إليها. لقد فهمنا في تلك اللّحظة أنّها اقتنتها له. ذهبت زوجتي إلى المرأة لتشكرها. فقالت لها: "هي هديّة منّي يتذكّرني بها ويتذكّر السعوديّة والسعوديين عندما يكبر ويتفوّق في دراسته" ثمّ انصرفت بعد أن تمنّت لنا إقامة طيّبة في الرياض بين أهلنا وذوينا. سيّدتي كانت هديّتك أوّل محفظة يحملها ابننا ياسين إلى المدرسة وهو لا يزال يذكرك بها وهديّتك مازلنا نحافظ عليها كقطعة ثمينة في بيتنا.
إليك نهدي هذا الكتاب ومن خلالك نهديه إلى كلّ النساء السعوديات، أمّهات وجدّات من اللّواتي مازلن يحافظن على تقليد سنّته أمّهاتنا وجدّاتنا عبر العصور، أن يكنّ دائما وأبدا ينبوعا لا ينضب من المحبّة والعطاء، ينذرن أنفسهنّ إلى تربية الطفل والسهر عليه وحمايته ليقوى عوده ويشقّ طريقه في الحياة متحدّيا محنها وصعابها مستعملين الهديّة، "هديّة حبّ": أغلى الهدايا، محفظة أو حكاية حفظتها ذاكرتهنّ، قنديلا يضيء لأطفالنا دروب المعرفة المتشعّبة ومسالك الحياة الوعرة.