قراءة كتاب من الحطب الى الذهب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من الحطب الى الذهب

من الحطب الى الذهب

كتاب " من الحطب الى الذهب " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

كان شغلي الشاغل هو لفت الانتباه إلى المزيد من العناية بالتراث الشفوي، بالبحث الجادّ والتدريس العلمي المستند إلى أهمّ المناهج الحديثة والعلوم الإنسانية المختلفة في الجامعات العربية التي مازال ينقصها الكثير للوصول إلى مستوى الجامعات العالمية لاسيما الغربية منها وبعض الجامعات الأخرى التي تعدّ على أصابع اليد الواحدة، ولعلّ جامعة الملك سعود مثلها في ذلك مثل جامعة القاهرة، على سبيل المثال لا الحصر تعتبر استثناء مقارنة بالجامعات العربية الأخرى لكونها تعير مسألة التراث الشفوي أهمية بالغة وتصدر عنها مجلّة مختصّة في هذا المجال بكلية الآداب.

غير أنه لا ينبغي أن يكون تدريس الحكايات الشفوية حكرا على كليات الآداب واللغات والترجمة وأقسام الاجتماع والانتروبولوجيا بل ينبغي أن يشمل كذلك أقسام التربية وعلم النفس الطفل بل الطبّ النفسي. لا يجب أن نغفل عن هذه الحقيقة هو أنّ الحكاية الشفوية هي موجّهة أساسا إلى الطفل وبصفة لاواعية لا تعمل على تربيته وتنشئته فقط، بل تساعده على التغلّب على مخاوفه وقلقه وحيرته وتمكّنه من الأجوبة على أسئلته المحيّرة التي لا يجد لها جوابا دونها، ما يجعلها تقوّي من عزمه على مغالبة الصعاب ومقارعة المحن وتذهب أكثر من ذلك بأن توفّر له الحماية وتضمّد جراحه في حالة الصدمات وهي كثيرة في الحياة الدنيا، مثل يتم مفاجئ أو طلاق للوالدين كثيرا ما تكون وطأته بالغة القسوة عليه أو فقر مدقع أو اعتداء فظيع عليه يهدّده بالتدمير والتلاشي أو أن يجد نفسه في أتون حرب ضروس، لا ناقة له ولا جمل فيها.

لقد كان لبرونو بيتلهايم (Bruno Bettelheim) (1903- 1990) فضل كبير في إبراز أهمية الحكايات الشعبية في معالجة "تروما" (Trauma) الأطفال نظريا في العديد من مؤلفاته[2]وعمليا في المدرسة التي أنشأها في جامعة شيكاغو في منتصف القرن الماضي وهي مدرسة مختصّة في الطفولة خاصة في معالجة الأطفال الانطوائيّين والذين يعانون من صدمات نفسيّة قاسية. فسنّ بذلك تقليدا أكاديميا عالميا مازالت تحافظ عليه العديد من الجامعات في العالم، لاسيما في الغرب، بحيث أنه لا ينبغي أن نفاجأ بعد أن خلنا أن دراسة الحكايات الشفوية قد طويت درسا طولا وعرضا في العديد من الاختصاصات: اللسانية والأدبية والانتروبولوجية والاجتماعية والنفسية ولم يعد ثمّة ما يدرس فيها، أن يصدر كتاب منذ أشهر في فرنسا (مايو 2013) بعنوان "الطفل الـمُعْتدى عليه والحكاية المبدعة" من تأليف جامعيّة وباحثة مختصّة في علم النفس السريري (clinical psychology) وفي الطفولة[3]يضيف جديدا ويسلّط الضوء على الأهميّة البالغة للحكاية الشفوية في تكوين رجال المستقبل ونسائه وفي معالجة الأطفال الذين عصفت بهم ظروف الزمان وغدر البعض بهم من بني الإنسان. نقرأ في الصفحة الخارجية لهذا المؤلف وبالخطّ الأحمر اللافت للانتباه "الحكاية المبدعة هي أداة علاجية جذّابة للعناية بأطفال يعانون من شتى أنواع المشاكل والمعاناة، من أقلّها وطأة عليهم إلى أشدّها ضراوة على نفوسهم وأكثرها وقعا عليها. ليس علماء النفس العلاجي فقط، بل كذلك كلّ المختصّين في الطفولة يمكن أن يستعملوا الحكاية "المبدعة" كلّ حسب اختصاصه سواء على المستوى الفردي أو الجماعي".

حكاية "الغول والإخوان الثلاثة" السعوديّة وحكاية "الإصبع الصغير" الفرنسيّة، بل قل الحكاية الواحدة السعوديّة الفرنسيّة في روايتيها: رواية الجهيمان ورواية "بيرّو" هي أفضل ما يمكن أن نعثر عليه في الحكايات الخرافيّة العالميّة لمعالجة "تروما" الأطفال في الحالات المرضيّة التي تتحدّث عنها "غريسون جهانسارت" مؤلّفة هذا الكتاب الجديد وفي الحالات العاديّة لتخليصهم من عقدة الصغر وتهيئتهم لأن يكونوا كبارا كأحسن ما يكون الكبر. فهي بقدر ما تشوّق الأطفال المستمعين إليها وتفتح لهم في عتمة الوجود بصيصا من النور والأمل وتطمئنهم أنّه بعد الشدّة يأتي الفرج وأنّ الانكسار يتلوه، لا محالة بالكدّ والجدّ الانتصار، بقدر كلّ ذلك تكشف عن حقيقة بسيطة ولكن كثيرا ما يقع تجاهلها في التاريخ البشري، لاسيما عند استفحال الأزمات وهيمنة الأحكام المسبقة أنّ مخاوف الإنسان وقلقه ومشاغله هي ذاتها وأنّ خياله أو مخياله هو نفسه، مهما اختلفت الثقافات واللّغات والأديان، بل أنّ هذه الثقافات كثيرا ما تلتقي بالخواطر والأفكار والقيم بصفة عفويّة حتّى وإن لم تلتق في الزمان والمكان.

باريس- تونس
اكتوبر 2013

الصفحات