هذا الكتاب يتناول الفترة الواقعة بين صيف عام 2003 وصيف عام 2004. سنة واحدة من حياة كاتبة ألقى بها الدهر في أتون مدينة بغداد، لتصاحب زوجها الذي يعمل في السلك الدبلوماسي.
أنت هنا
قراءة كتاب شرابنل- على هامش بغداد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
الخيط الروائي سرعان ما يتضح: امرأة غربية حرة، تختار اللحاق بزوجها الذي تحب ولكن الكتابة تلاحقها وتصبح متنفسا للخوف والرعب حتى أن نظرتها للأشياء سرعان ما ترتدي ثوب العنف المحيط بها، فهي حين تزور أكاديمية الشرطة وترى ساحة الرمي تتصورها كساحة للتصفيات الجماعية. حتى أحلامها تكتسي حلة عنف كابوسي، رغم إنها أخضعت نفسها لهذا التمرين القاسي، أن ترى العالم الخارجي بحيادية تامة وتنقله بالحيادية ذاتها. وهو إنجاز لا يجيده إلا الروائي الماهر. فصول الكتاب تشبه في تركيبها قصائد شعرية تؤججها ضربة البيت الأخير. وكصدى لهذه الطبيعة الشعرية تصبح اللغة مختصرة بشكل كبير حتى كأنها تصير تقطيرية في الكثير من الفصول وهو أمر يزيد من صعوبة الترجمة.
يبدأ الكتاب في زاوية مخصصة للمسافرين إلى العراق في مطار عمان. "هي" تنتظر الطائرة المروحية الصغيرة التي ستقلها لرؤية زوجها "هو" الذي افترقت عنه منذ خمسة أشهر عشية الحرب، وهاهي تحلق في سماء المدينة التي يخفي اسمها سحرا تاريخيا: بغداد. وينتهي الكتاب ببغداد في مشهد أمل مؤثر مع البستاني الذي أصطحب ولديه معه: (لكي يتعلما المهنة، هذا ما قاله لها في يوم سابق: "على أية حال لا يمكنهم الذهاب للمدرسة في مثل هذه الظروف، ومن الأفضل أن يتعلما مراعاة النبات، ينبغي التفكير بالمستقبل، أليس كذلك مدام؟ ذلك أن البشر يتلاشون، كما ترين، ولكن النباتات تستمر بالنمو خلال هذا الوقت، وسنحتاج دائما إنسانا يرعاها").
وبين هذين المشهدين تظل "هي" سجينة بيتها وهذا هو مدار حياتها اليومي. تُنشئ مختبرا للتصوير الفوتوغرافي في المنزل وتقضي ساعات وأياما في هذا المختبر المظلم. تطبع الصور التي التقطتها لكل ما وقعت عيناها عليه: الغرف، الحديقة، سطح المنزل خلال عاصفة ترابية، الآثار التي تزورها. الصور الفوتوغرافية نفسها تمتلك ذات الحيادية حتى صورها التي تلتقطها لنفسها لا تبدو فيها ملامحها تامة وكأنها تحاول الاختفاء من الصورة. الصورة الوحيدة التي نرى فيها حضورا بشريا مليئا بالحياة هي لأربعة صبيان يسبحون في ماء دجلة، وهي أيضا المرة الأولى التي تتمكن فيه من عبور دجلة بقارب وأن تتمشى في شارع ضيق في سوق بغداد القديم. الكتاب يتطور بهذا الشكل وما ظنه القارئ تسجيلا لحياة امرأة حبيسة بيتها، سرعان ما يحل محله تسجيل دقيق لحياة المدينة، فالعالم الخارجي يدخل صفحات الكتاب عبر أمسية موسيقية في البيت، أو عبر حضور الأصدقاء والمعارف لتناول العشاء. في مثل هذه المناسبات تستكشف الكاميرا علامات المدينة من خلال تصرف لأحد الضيوف، أو عبر تسجيل دقيق لحديث عابر. وهي في كل هذه الأحوال تتجنب التعليق على تلك الصور وتكتفي بتسجيلها بكلمات مختصرة مختارة بعناية، وتطرح بين الحين والآخر أسئلة لا تجيب عليها إنما تتركها معلقة مثل مصير المدينة وساكنيها، مثل أغنية حزينة مسترسلة تحت وطأة العنف والحصار.